للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أوحى الله ﷿ إلى عيسى ابن مريم. جِدَّ في أمري ولا تهزل، واسمع وأطع يا بن الطاهر البَتُول، إني خلقتُك من غير فحل، وجعلتُك آية للعالمين، فإيايَ فاعبد، وعلىَّ فتوكل، بيِّن (١) لأهل سُوران (٢): أني أنا الحقُّ القائم الذي لا أزول، صَدَّقوا بالنبيّ العربيّ، صاحب الجمل والمِدرعَة والعَمامة (وهي التَّاجُ) (٣)، والنعلين والهِرَاوة، الجَعد الرأس، الصَّلت (٤) الجبين، المقرون الحاجبين، الأدعجْ (٥) العينين، الأقنى الأنف، الواضح الخدين، الكثّ اللحية، عَرَقُه في وجهه كاللؤلؤ، ريحُ المسكِ ينفحُ منه، كأن عنقَه إبريقُ فضة، وكأن الذهَب يجري في تراقيه، له شعراتٌ من لَبّته إلى سُرّته تجري كالقضيب، ليس على صدره ولا بطنه شعرٌ غيرُه، شَثْنُ الكفين والقدم، إذا جاء مع الناس غمرَهم، وإذا مشى كأنما يَتقلَّع من الصخر، وينحدرُ في صَبَب، ذو النسل (٦) القليل (٧).

وروى الحافظ البيهقي بسنده، عن وهب بن منبه اليماني، قال: إن اللّه ﷿ لما قرّبَ موسى نجيًا قال: ربِّ إني أجدُ في التوراة أمةً خيرَ أمّةٍ أُخرِجت للناس، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويؤمنون باللّه، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمَّة أحمد، قال: ربِّ إني أجد في التوراة أمة هم الآخرون من الأمم، السابقون يوم القيامة، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمّةُ أحمد.

قال: يا ربِّ إني أجدُ في التوراة أمةً أناجيلُهم في صدورهم يقرؤُونها، وكان مَن قبلهم يقرؤون كتبَهم نَظَرًا ولا يحفظُونها، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: ربِّ إني أجدُ في التوراة أمة يُؤمنون بالكتاب الأول والآخر ويُقاتلون رؤوسَ الضلالة حتى يُقاتلوا الأعورَ الكذاب، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمّةُ أحمد.

قال: ربِّ إني أجد في التوراة أمة يأكلون صدقاتهم في بطونهم وكان من قبلهم إذا أخرج صدقته بعث اللّه عليها نارًا فأكلتها فإن لم تقبل لا تقربها النار، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.

قال: ربِّ إني أجدُ في التوراة أمةً إذا همّ أحدُهم بسيئة لم تُكتب عليه، فإن عملَها كُتبت عليه سيئة واحدة، وإذا همّ أحدُهم بحسنة ولم يعملها كُتبت له حسنة، فإن عملها كُتبت له عشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.


(١) في دلائل النبوة: فَسِّر. وفي المطبوع: فَبَيِّن. وهو تصحيف ظاهر.
(٢) في دلائل النبوة (١/ ٣٧٨): فسِّر لأهل سوران بالسُّريانيّة، بلغ من بَين يَديك: أني أنا الله الحيُّ القيُّوم.
(٣) ما بين القوسين سقط من المطبوع، وأثبته من (أ).
(٤) "الصلت الجبين": أي واسع الجبين. وقيل: الصلت: الأملس. النهاية (٣/ ٤٥).
(٥) "الأدعج": يريد أن سواد عينيه كان شديد السواد. النهاية (٢/ ١١٩).
(٦) "ذو النسل القليل". وفي دلائل النبوة تتمة. وكأنه أراد الذكورَ من صُلبه.
(٧) دلائل النبوة؛ للبيهقي (١/ ٣٧٨) وتهذيب تاريخ ابن عساكر (١/ ٣٤٤) وهو خبر مقطوع عن مقاتل بن حيان، وهو ظاهر الصنعة والوضع.