للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾ [الأعراف: ٧١] أي: قد استحققتم (١) بهذه المقالة الرجسَ والغضبَ من اللَّه، أتعارضون عبادةَ اللَّه وحدَه لا شريكَ له بعبادة أصنام أنتم نحتُموها وسمَّيتمُوها آلهة من تلقاء أنفسكم، اصطلحتم عليها أنتم وآباؤكم، ما نزَّل اللَّه بها من سلطان، أي: لم يُنْزلْ على ما ذهبتم إليه دليلًا ولا بُرهانًا، وإذا أبيتم قَبُولَ الحقِّ وتمادَيتم في الباطل، وسواء عليكم أنهيتكم عما أنتم فيه أم لا فانتظروا الآن عذابَ اللَّه الواقع بكم، وبأسه الذي لا يُرِدُّ، ونَكَاله الذي لا يُصدّ، وقال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (٣٩) قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ (٤٠) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [المؤمنون: ٣٩ - ٤١] وقال تعالى: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (٢٣) فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأحقاف: ٢٢ - ٢٥] وقد ذكرَ اللَّه تعالى خبرَ إهلاكهم في غيو ما آية، كما تقدَّم مجملًا ومفصَّلًا، كقوله: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ٧٢] وكقوله: ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (٥٨) وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (٥٩) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُود﴾ [هود: ٥٨ - ٦٠]. وكقوله: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [المؤمنون: ٤١] وقال تعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الشعراء: ١٣٩ - ١٤٠].

وأما تفصيل إهلاكهم، فكما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الأحقاف: ٢٤] كان هذا أول ما ابتدأهم العذاب أنهم كانوا ممحلين مسنتين (٢)، فطلبوا السُّقيا، فرأوا عارضًا (٣) في السماء وظنُّوه سقيا رحمة، فإذا هو سقيا عذاب، ولهذا قال تعالى: ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ﴾ [الأحقاف: ٢٤] أي: من وقوع العذاب، وهو قولهم: ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [الأحقاف: ٢٢] ومثلها في الأعراف.

وقد ذكرَ المفسرون وغيرُهم هاهنا الخبرَ الذي ذكره الإمام محمد بن إسحاق بن يسار، قال: فلما أبوا إلا الكفرَ باللَّه ﷿ أمسكَ عنهم القَطْر (٤) ثلاثَ سنين، حتى جَهدَهم ذلك، قال: وكانَ النَّاسُ إذا


(١) في أ: استحقيتم.
(٢) ممحلين مسنتين: أصابهم الجدب والقحط.
(٣) عارضًا: سحابًا.
(٤) كذا في الأصل، وفي المطبوع: المطر.