وهذا إسناد غريب جدًّا، وحديث عبد الرزاق وشيخُه الثوري محفوظٌ عند الأئمة، لا يكاد يُترك منه شيء من المهمات، فكيف لم يَرو عن عبد الرزاق مثل هذا الحديث العظيم إِلَّا خلفُ بن سالم بما قبله من الرجال، الذين لا يُعرف حالُهم في الضبط والعدالة لغربتهم؟ ثم إن أمّ أشعثَ مجهولةٌ، فاللّه أعلم (١).
ثم ساقه هذا المصنف من طريق محمد بن مرزوق: حَدَّثَنَا حسين الأشقر - وهو شيعي وضعيف كما تقدم - عن عليّ بن هاشم بن البريد - وقد قال فيه ابن حِبّان: كان غالبًا في التشيّع، يَروي المناكير عن المشاهير - عن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن دينار، عن عليّ بن الحسين بن الحسن، عن فاطمة بنت عليّ، عن أسماءَ بنت عُمَيس فذكرَه.
وهذا إسناد لا يثبت.
ثم أسنده من طريق عبد الرحمن بن شَريك، عن أبيه، عن عروة بن عبد اللّه، عن فاطمة بنت عليّ، عن أسماءَ بنت عُمَيس، فذكر الحديث كما قدمنا إيراده من طريق ابن عُقدة، عن أحمد بن يَحيى الصُّوفي، عن عبد الرحمن بن شريك، عن عبد اللّه النخعي. وقد روى عنه البخاريُّ في كتاب "الأدب" وحدَّث عنه جماعة من الأئمة، وقال فيه أبو حاتم الرازي: كان واهي الحديث، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات وقال: ربما أخطأ. وأرخ ابن عقدة وفاتَه سنة سبع وعشرين ومئتين.
وقد قدَّمنا أن الشيخ أبا الفرج بن الجوزي قال: إنما اتهم بوضعه أبا العباس بن عُقدة، ثم أورد كلام الأئمة فيه بالطعن والجرح، وأنه كان يسوي النسخ للمشايخ فيرويهم إياها، فاللّه أعلم.
قلت: في سياق هذا الإسناد عن أسماء؛ أن الشمس رجعت حتى بلغت نصف المسجد، وهذا يُناقض ما تقدَّم من أن ذلك كان بالصَّهباء من أرض خيبر، ومثل هذا يُوجب توهينَ الحديث وضعفَه والقدحَ فيه. ثم سردَه من حديث محمد بن عمر القاضي الجعابي: حَدَّثَنَا علي بن العباس بن الوليد، حَدَّثَنَا عَبَّاد بن يعقوب الرَّواجيني، حَدَّثَنَا علي بن هاشم، عن صباح، عن عبد الله بن الحسن - أبي جعفر - عن حسين المقتول، عن فاطمة، عن أسماء بنت عُمَيس قالت: لما كان يوم شُغِل علي؛ لمكانه من قسم المغنم، حتى غربت الشمس أو كادت، فقال رسول اللّه ﷺ:"أما صلّيت؟ " قال: لا، فدعا اللّه، فارتفعت الشمس حتى توسطت السماء، فصلَّى علي، فلما غربت الشمس سمعتُ لها صريرًا كصرير الميشار في الحديد.
وهذا أيضًا سياقٌ مخالف لما تقدم من وجوه كثيرة، مع أن إسناده مظلم جدًا، فإن صباحًا هذا لا يُعرف، وكيف يَروي الحسينُ بن علي المقتول شهيدًا عن واحد عن واحد عن أسماءَ بنت عُمَيس؟ هذا
(١) ومحمد بن عمر الجعابي فاسق رقيق الدين وتشيعه معروف، كما في الميزان (٣/ ٦٧٠).