للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الطحاوي في كتابه "مشكل الحديث": عن علي بن عبد الرحمن، عن أحمد بن صالح المصري؛ أنه كان يقول: لا ينبغي لمن كان سبجله العلم التخلّف عن حفظ حديث أسماء في ردّ الشمس؛ لأنه من علامات النبوة. وهكذا مال إليه أبو جعفر الطحاوي أيضًا فيما قيل.

ونقل أبو القاسم الحسكاني هذا عن أبي عبد اللّه البصري المتكلم المعتزلي أنه قال: عَودُ الشمس بعد مغيبها آكدُ حالًا فيما يقتضي نقلُه؛ لأنه وإن كان فضيلة لأمير المؤمنين فإنه من أعلام النبوة، وهو مُقارِن لغيره في فضائله في كثير من أعلام النبوة.

وحاصل هذا الكلام يقتضي أنه كان ينبغي أن يُنقل هذا نقلًا متواترًا، وهذا حقّ لو كان الحديث صحيحًا، ولكنه لم يُنقل كذلك فدلَّ على أنه ليس بصحيح في نفس الأمر، واللّه أعلم.

قلت: والأئمة في كلّ عصر يُنكرون صحة هذا الحديث، ويردُّونه ويُبالغون في التشنيع على رُواته كما قدَّمنا عن غير واحد من الحفّاظ، كمحمد ويعلى بن عبيد الطنافِسيَّين، وكإبراهيم بن يَعقوب الجوزجاني خطيب دمشق، وكأبي بكر محمد بن حاتم البخاري، المعروف بابن زنجويه، وكالحافظ أبي القاسم بن عساكر، والشيخ أبي الفرج بن الجوزي، وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين.

وممن صرَّحَ بأنه موضوع شيخُنا الحافظ أبو الحجاج المِزّي، والعلَّامة أبو العباس بن تيمية، وقال

الحاكم أبو عبد اللّه النيسابوري: قرأتُ على قاضي القضاة أبي الحسن محمد بن صالح الهاشمي: حَدَّثَنَا

عبد اللّه بن الحسين بن موسى، حَدَّثَنَا عبد اللّه بن عليّ بن المديني قال: سمعتُ أبي يقول: خمسةُ أحاديث يروونها، ولا أصل لها عن رسول اللّه ؛ حديث: لو صدقَ السائلُ ما أفلحَ من رَدَّه، وحديث: لا وجع إِلَّا وَجَعَ العين، ولا غمَّ إِلَّا غم الدين، وحديث: أن الشمس رُدّت على عليّ بن أبي طالب، وحديث: أنا أكرمُ على اللّه من أن يدعني تحت الأرض مئتي عام، وحديث: أفطرَ الحاجمُ والمحجوم؛ إنهما كانا يَغتابان.

والطحاوي وإن كان قد اشتَبه عليه أمرُه، فقد روى عن أبي حنيفة إنكاره والتهكم بمن رواه، قال أبو العباس بن عُقدة: حَدَّثَنَا جعفر بن محمد بن عُمير، حَدَّثَنَا سليمان بن عبَّاد، سمعتُ بشّار بن دراع قال: لقي أبو حنيفة محمد بن النعمان، فقال: عمن رويتَ حديثَ ردّ الشمس؟ فقال: عن غير الذي رويتَ عنه: يا سارية الجبل.

فهذا أبو حنيفة ، وهو من الأئمة المعتبرين، وهو كوفيٌّ لا يُتَّهم على حبّ عليّ بن أبي طالب وتفضيله بما فضله اللّه به ورسولُه، وهو مع هذا يُنكر على راويه، وقول محمد بن النعمان له ليس بجواب بل مجرد معارضة بما لا يُجدي، أي: أنا رويتُ في فضل عليّ هذا الحديث، وهو وإن كان مستغربًا فهو في الغرابة نظيرُ ما رويتَه أنت في فضل عمر بن الخطاب في قوله: يا ساريةَ الجبل. وهذا