للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذه طرق متواترة عن أنس بن مالك؛ لأنها تُفيد القطعَ عند أئمة هذا الشأن.

وقال البيهقيُّ بإسناده من غير وجه إلى أبي مَعمَر سعيد بن خثيم الهِلَالي، عن مسلم الملائي، عن أنس بن مالك قال: جاء أعرابي فقال: يا رسولَ اللّه! واللّه لقد أتيناكَ، وما لنا بعير يَئِطُّ (١)، ولا صبيٌّ يَصطبح، وأنشد:

أَتَيناكَ والعَذراءُ يَدمِي لُبانُها (٢) … وَقَد شُغِلَت أُمُّ الصَّبيِّ عَنِ الطفلِ

وَألقى بِكَفّيهِ الفَتَى لاستِكانَةٍ … مِنَ الجوعِ ضعفًا قائم (٣) وهو لا يُخلي

وَلَا شيءَ مِمَّا يَأكُلُ النَّاسُ عِندنا … سوى الحَنظَلِ العَامِيِّ والعِلهِزِ الفَسْلِ (٤)

وَلَيسَ لنا إلَّا إليكَ فِرارُنا .... وَأَينَ فِرَارُ النَّاس إِلَّا إلى الرُّسل

قال: فقام رسول اللّه وهو يجرُّ رداءَه حتى صَعِد المنبرَ فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم رفعَ يديه نحوَ السماء وقال: "اللهم اسقنا غيثًا مُغيثًا مَريئًا مَريعًا سريعًا غَدَقًا طَبَقًا، عاجلًا غير رائثٍ، نافعًا غير ضار، تملأ به الضرع، وتُنبت به الزرع، وتحيي به الأرض بعد موتها، وكذلك تخرجون". قال: فواللّه ما ردَّ يدَه إلى نحره حتى ألقت السماءُ بأوراقها، وجاء أهلُ البطانة يَصيحون: يا رسولَ الله الغرقَ الغرقَ، فرفع يديه إلى السماء وقال: "اللهم حوالينا ولا علينا" فانجابَ السَّحابُ عن المدينة حتى أحدق بها كالإكليل فضحك رسول اللّه حتى بدت نواجذه ثم قال: "للّه درّ أبي طالب لو كان حيًّا قرَّت عيناه، مَن يُنشد قولَه؟ " فقام عليُّ بن أبي طالب فقال: يا رسول اللّه كأنك أردتَ قوله:

وأبيضَ يُستَسقَى الغَمامُ بوجهِهِ … ثِمَالُ اليَتَامى عصمَةٌ للأرامِلِ

يَلوذُ به الهُلَّاكُ مِن آل هاشمٍ … فَهُم عِندَهُ في نِعمَةٍ وَفَواضِلِ

كَذبتمْ وبَيتِ اللّه يُبزَى مُحَمَّدٌ … ولَما نُقاتِل دُونَهُ ونُنَاضِل

وَنسلِمُهُ حتَّى نُصرَّعَ حَولَهُ … وَنَذهَل عن أبنائِنا وَالحلائِلِ

قال: وقام رجل من بني كِنانة فقال:


= و"الكُراع": جماعة الخيل.
"عزاليها" جمع عُزَلَاء، وهي فم المزادة الأسفل الذي يصب فيه الماء، والمزادة: الراوية. وهو كناية عن شدة المطر وغزارته، فكأنه ينزل من السماء كنزوله من أفواه القرب.
و"يتصدع": يتشقق.
(١) "يئط": يصوِّت.
(٢) "لبانُها": صدورها.
(٣) كذا في (أ) وفي دلائل النبوة (٦/ ١٤١) من الجوع ضعفًا ما يمز ولا يُخلي.
(٤) "الحنظل": نبات ثمره شديد المرارة، و"العلهز": دم الشعر، "الفَسْل": الرديء.