للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فانظرْ هل ترى في أشجابه من شيء؟ " قال: فانطلقتُ إليه فنظرتُ فيها فلم أجد فيها إِلَّا قطة في عَزْلاءِ (١) - شَجَبٍ منها - لو أني أفرغته لشربَه يا بِسُه، فأتيتُ رسولَ اللّه فقلت: يا رسول الله! لم أجدْ فيها إِلَّا قطرة في عَزْلاءِ شَجَبٍ منها، لو أني أفرغتُه لشربَه يا بسُهُ. قال: "اذهبْ فائْتِني به" فأتيتُه فأخذَه بيده فجعلَ يتكلَّم بشيء لا أدري ما هو، ويغمزُ بيده (٢)، ثم أعطانيه فقال: "يا جابرُ! نادِ بجفنةٍ" فقلتُ: يا جفنةَ الرَّكبِ، فأُتيتُ بها تُحمل، فوضعتُها بين يديه، فقال رسولُ اللّه بيده في الجَفْنة هكذا، فبسطَها وفرَّقَ بين أصابعه، ثم وضعها في قعر الجفنة وقال: "خذْ يا جابرُ، فصُبَّ عليَّ، وقل: باسم الله" فصببتُ عليه وقلت: باسم اللّه، فرأيتُ الماء يفورُ من بين أصابعِ رسولِ اللّه ، ثم فارتِ الجفنةُ ودارت حتى امتلأت فقال: "يا جابر! نادِ من كانت له حاجةٌ بماء "قال: فأتى الناسُ فاستقَوْا حتى رَوُوا، فقلت: هل بقي أحد له حاجة؛ فرفعَ رسولُ اللّه يدَه من الجفنة وهي ملأى.

قال: وشكا الناسُ إلى رسول الله الجوعَ، فقال: "عسى الله أن يُطعمَكم" فأتينا سَيْفَ (٣) البحر، فزجرَ زجرةً، فألقى دابةً فأَوْرَينا على شِقها النارَ، فطبخنا واشتوينا وأكلنا وشبعنا، قال جابر: فدخلتُ أنا وفلان وفلان وفلان، حتى عذَ خمسة في مَحاجرِ عَيْنها ما يَرانا أحد، حتى خرجنا وأخذنا ضِلْعًا من أضلاعِها فقَوَسناه، ثم دعوْنا بأعظم رجل في الركب، وأعظم جمل في الركب، وأعظم كِفْل في الركب، فدخل تحتها ما يُطأطئُ رأسَه (٤).

وقال البخاري (٥): حَدَّثَنَا موسى بن إسماعيل، حَدَّثَنَا عبد العزيز بن مسلم، حَدَّثَنَا حُصين، عن سالم بن أبي الجَعْد، عن جابر بن عبد اللّه، قال: عَطِشَ الناسُ يوم الحديبية والنبيُّ بين يديْه ركوة نتوضأ فجهش الناس نحوه قال: "ما لكم؟ "قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إِلَّا ما بين يديك، فوضع يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا، قلت: كم كنتم؟ قال: لو كنا مئة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مئة.

وهكذا رواه مسلم من حديث حُصين (٦) وأخرجا (٧) من حديث الأعمش. زاد مسلم (٨): وشعبة، ثلاثتهم عن سالم، عن جابر، به. وفي رواية الأعمش كنا أربع عشرة مئة.


(١) "عزلاء": فم القربة والقاء.
(٢) "يغمز": يعصر.
(٣) "سيف البحر": ساحله.
(٤) رواه مسلم في صحيحه رقم (٣٠١٢) في الزهد والرقائق (باب حديث جابر الطويل).
(٥) رواه البخاري في صحيحه رقم (٣٥٧٦) في المناقب.
(٦) في صحيحه رقم (١٨٥٦) (٧٣) في الإمارة.
(٧) رواه البخاري في صحيحه رقم (٤١٥٤) في المغازي، ومسلم في صحيحه رقم (١٨٥٦) (٧٤). وسالم هو ابن أبي الجَعْد.
(٨) رواه مسلم في صحيحه رقم (١٨٥٧) في الإمارة.