للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في القرآنِ ما يدلُّ على أن موسى أخبرَ عنهما، كما قال تعالى في سورة إبراهيم: ﴿وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (٨) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ [إبراهيم: ٨ - ٩] الآية. الظاهرُ أنَّ هذا من تمام كلام موسى مع قومه، ولكن لما كانت هاتان الأمتان من العرب لم يضبطوا خبرَهما جيدًا، ولا اعتنوا بحفظه، وإن كان خبرُهما كان مشهورًا في زمان موسى ، وقد تكلَّمنا على هذا كلِّه في التفسير متقصَّيًا، وللَّه الحمد والمنَّة.

والمقصود الآن ذكرُ قِصَّتهم وما كان من أمرهم، وكيف نجَّى اللَّه نبيَّه صالحًا ومن آمن به، وكيف قطع دابرَ القوم الذين ظلموا بكفرهم وعتوِّهم ومخالفتهم رسولهم .

قد قدمنا أنهم كانوا عَربًا، وكانوا بعد عاد، ولم يعتبروا بما كان من أمرهم. ولهذا قال لهم نبيهم : ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٣) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: ٧٣ - ٧٤] أي: إنما جعلَكم خلفاءَ من بعدهم لتعتبروا بما كان أمرهم، وتعملوا بخلاف عملهم، وأباحَ لكم هذه الأرض تبنون في سهولها القصور ﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ﴾ [الشعراء: ١٤٩] أي: حاذقين في صَنْعَتها وإتقانِها وإحكامِها، فقابِلُوا نعمةَ اللَّه بالشكر والعمل الصَّالح والعبادة له وحدَه لا شريكَ له، وإيَّاكم ومخالفته والعدول عن طاعته، فإنَّ عاقبةَ ذلك وخيمةٌ، ولهذا وَعَظهم بقوله: ﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (١٤٦) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٤٧) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ﴾ [الشعراء: ١٤٦ - ١٤٨] أي: متراكم كثير، حسنٌ بهيٌّ ناضج ﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (١٤٩) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٥٠) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (١٥١) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ [الشعراء: ١٤٩ - ١٥٢].

وقال لهم أيضًا: ﴿يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: ٦١] أي: هو الذي خلقَكم فأنشأكُم من الأرض وجعلكم عمَّارها، أي أعطاكموها بما فيها من الزروع والثمار فهو الخالق الرازق فهو الذي يستحق العبادة وحدَه لا سواه. ﴿فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ [هود: ٦١] أي: أقلعوا عما أنتم فيه، وأقبلوا على عبادتِه فإنَّه يقبلُ منكم ويتجاوزُ عنكم ﴿إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾ [هود: ٦١].

﴿قَالُوا يَاصَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا﴾ [هود: ٦٢] أي: قد كنا نرجو أن يكونَ عقلكَ كاملًا قبل هذه المقالة، وهي دعاؤُك إيَّانا إلى إفراد العبادة، وترك ما كنَّا نعبدُه من الأنداد، والعدول عن دين الآباء والأجداد، ولهذا قالوا: ﴿أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٦٢) قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ﴾ [هود: ٦٢ - ٦٣].

وهذا تلطُّف منه لهم في العبارة، ولين الجانب، وحُسن تأتٍّ في الدعوة لهم إلى الخير، أي: فما