للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيهما: "بُعثت إلى الأسود والأحمر" (١) قيل: إلى العرب والعجم، وقيل: إلى الإنس والجن، والصحيح أعمُ من ذلك.

والمقصود أن البشارات به موجودة في الكتب الموروثة عن الأنبياء قبله، حتى تناهتِ النبوّةُ إلى آخر أنبياء بني إسرائيل، وهو عيسى ابن مريم، وقد قام بهذه البشارة في بني إسرائيل، وقصنَ الله خبرَ في ذلك، فقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [الصف: ٦].

فأخبارُ محمّدٍ صلواتُ الله وسلامُه عليه بأن ذكرَه موجودٌ في الكتب المتقدمة، فيما جاء به من القرآن، وفيما وردَ عنه من الأحاديث الصحيحة كما تقدَّمَ، وهو مع ذلك من أعقلِ الخلق باتفاق المُوافق والمُفارق، يدل على صدقه في ذلك قطعًا، لأنه لو لم يكن واثقًا بما أخبرَ به من ذلك، لكان ذلك من أشدِّ المُنَفِّراتِ عنه، ولا يُقدم على ذلك عاقل، والغرضُ أنه من أعقلِ الخلقِ حتى عند من يُخالفه بل هو أعقلُهم في نفس الأمر.

ثم إنه قد انتشرت دعوتُه في المشارق والمَغارب، وعمَّت دولةُ أمَّتِه في أقطار الآفاق عمومًا لم يحصل لأمةٍ من الأمم قبلَها، فلو لم يكن محمد نبيًا، لكان ضررُه أعظمَ من كل أحد، ولو كان كذلك لحذَّرَ عنه الأنبياءُ أشدَّ التحذير، ولنفروا أممَهم منه أشدَّ التنفير، فإنهم جميعهم قد حذروا من دعاة الضلالة في كتبهم، ونهوا أممَهم عن اتِّباعِهم والاقتداء بهم، ونصُّوا على المسيح الدجال، الأعورِ الكذاب، حتى قد أنذرَ نوح- وهو أوَّلُ الرسل- قومَه، ومعلومٌ أنه لم يَنصَّ نبي من الأنبياء على التحذير من محمَّد، ولا التنفير عنه، ولا الإخبار عنه بشيء خلافَ مدحه، والثناء عليه، والبشارة بوجوده، والأمر باتباعه، والنهي عن مخالفته، والخروج من طاعته.

قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٨١) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران: ٨١ - ٨٢] قال ابن عباس : ما بعثَ الله نبيًا إلا أخذَ عليه الميثاق؛ لئن بُعث محمد وهو حيٌّ ليُؤمِنن به ولينصرنَه، وأمرَه أن يأخذَ على أُمّته الميثاقَ لئن بُعث محمَّدٌ وهم أحياء ليُؤمِنُنَ به وليتبعُنَّه (٢). رواه البخاري (٣).


= لي الأرض مسجدًا وطهورًا. ومسلم في صحيحه (٥٢١) في كتاب المساجد ومواضع الصلاة من حديث جابر بن عبد الله .
(١) رواه مسلم في صحيحه رقم (٥٢١) بلفظ " بعثت إلى كل أحمر وأسود " وهو جزء من حديث جابر الذي قبله.
(٢) في فتح القدير للشوكاني (١/ ٤٣٧): لينصرنَّه.
(٣) لم يروه البخاري، ولم يذكره ابن كثير في تفسيره عن البخاري، وقد ذكره من كلام علي وابن عباس وإنما هو غلط، =