للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد وجدت البشارات بِه في الكتب المتقدمة، وهي أشهرُ من أن تُذكرَ وأكثرُ من أن تُحصر.

وقد قدَّمنا قبلَ مولده طَرفًا صالحًا من ذلك، وقرَّرنا في كتاب " التفسير " عند الآيات المقتضية لذلك آثارًا كثيرة.

ونحنُ نُورد هاهنا شيئًا مما وُجد في كتبهم التي يَعترفون بصحتها، وَيتديَّنون بتلاوتِها، مما جمعَه العلماءُ قديمًا وحديثًا ممن آمن منهم، واطلعَ على ذلك من كتبهم التي بأيديهم.

ففي السِّفر الأوّل من التوراة التي بأيديهم في قصة إبراهيم الخليل ما مضمونُه وتعريبُه: إن الله أوحى إلى إبراهيمَ ، بعدما سلَّمَه من نار النمروذ: أن قم فاسلُك الأرضَ مشارقَها ومغاربَها لولدك. فلما قصَّ ذلك على سارة طمعت أن يكونَ ذلك لولدها منه، وحرصت على إبعاد هاجرَ وولدها، حتى ذهبَ بهما الخليلُ إلى بريّة الحجازِ وجبالِ فاران، وظن إبراهيم أن هذه البشارة تكونُ لولده إسحاق، حتى أوحى الله إليه ما مضمونُه: أما ولدُك إسحاق فإنه يُرزق ذريَّة عظيمةً، وأما ولدُك إسماعيل فإني باركتُه وعظّمتُه، وكثَّرتُ ذرِّيتَه، وجعلتُ من ذرِّئته ماذ ماذ؛ يعني محمدًا ، وجعلتُ في ذرّيته اثنا عشر إمامًا، وتكون له أمّة عظيمة.

وكذلك بُشِّرَت هاجر حين وضعها الخليلُ عند البيت فعطِشَت وحزنت على ولدها، وجاءَ الملَكُ فأنبعَ زمزمَ، وأمرَها بالاحتفاظ بهذا الولد، فإنه سيُولد منه عظيم، له ذريّةٌ عددَ نجوم السماء.

ومعلوم أنه لم يُولد من ذريّة إسماعيلَ، بل من ذريّة آدم، أعظمُ قدرًا ولا أوسعُ جاهًا، ولا أعلى منزلةً، ولا أجلُّ منصبًا، من محمد ، وهو الذي استولت دولةُ أمّتِه على المشارق والمغارب، وحكموا على سائرِ الأمم.

وهكذا في قصة إسماعيل من السِّفر الأوّل: أن ولد إسماعيل تكونُ يدُه على كل الأمم، وكلُّ الأمم تحتَ يده، وبجميع مساكن إخوته يسكن. وهذا لم يكن لأحدٍ يصدقُ على الطائفة إلا لمحمد .

وأيضًا في السفر الرابع في قصة موسى، أن الله أوحى إلى موسى : أن قل لبني إسرائيلَ: سأقيم لهم نبيًّا من أقاربهم مثلَك يا موسى، وأجعلُ وحيي بفيه وإيَّاه تَسمعون.


= ولعله من النساخ، وإنما رواه ابن جرير الطبري كما ذكر ذلك الشوكاني في تفسيره فتح القدير (١/ ٤٣٧) عند قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيِّنَ … ﴾ آية (٨١) من سورة آل عمران.
قال الشوكاني: وأخرج ابن جرير عن علي قال: لم يبعث الله نبيًا آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد من محمد لئن بعث وهو حي ليؤمنن به، ولينصرنَّه ويأمره فيأخذ العهد على قومه، ثم تلا ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيِّنَ … ﴾ وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس نحوه، وأخرج ابن أبي حاتم نحوه رقم (٨٧٦) عن ابن عباس، ورقم (٨٧٧) عن ابن طاووس عن أبيه طاووس، وانظر بقية الروايات في فتح القدير للشوكاني (١/ ٤٣٧).