للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: ٣٣] وهكذا وقع وعمَّ هذا الدين، وغلبَ وعلا على سائر الأديان، في مشارق الأرض ومغاربها، وعلت كلمتُه في زمن الصحابة ومَن بعدَهم، وذلَّت لهم سائرُ البلاد، ودان لهم جميعُ أهلها، على اختلاف أصنافهم، وصارَ الناسُ إما مؤمنٌ داخلٌ في الدين، وإما مُهادِنٌ باذلٌ الطاعةَ والمال، هاما مُحاربٌ خائفٌ وَجِلٌ من سَطوة الإسلام وأهله.

وقد ثبت في الحديث: " إن الله زوى لي الأرضَ مشارقَها ومغاربَها، وسيبلغ ملكُ أمتي ما زوى لي منها " (١).

وقال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ﴾ [الفتح: ١٦] الآية، وسواء كان هؤلاء هوازن أو أصحاب مُسيلمة، أو الروم، فقد وقعَ ذلك.

وقال تعالى: ﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (٢٠) وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ [الفتح: ٢٠ - ٢١] وسواء كانت هذه الأخرى خيبرَ أو مكةَ، فقد فُتحت وأُخذت كما وقع به الوعد سواءٌ بسواء.

وقال تعالى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: ٢٧] فكان هذا الوعدُ في سنة الحُديبية عامَ ست، ووقعَ إنجازه في سنة سبع عام عُمرة القضاء كما تقدم. وذكرنا هناك الحديثَ بطوله، وفيه أن عمر قال: يا رسولَ الله ألم تكن تُخبرُنا أنا سنأتي البيتَ ونطوفُ به؟ قال: "بلى، أفأخبرتُك أنك تأتيه عامَك هذا؟ " قال: لا، قال: "فإنَّك تأتيه وتطوفُ به" (٢).

وقال تعالى: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ [الأنفال:٧] وهذا الوعد كان في وقعة بدر لمَّا خرجَ رسولُ الله من المدينة ليأخذَ عيرَ قريش، فبلغَ قريشًا خروجُه إلى عيرهم، فنَفروا في قريبٍ من ألف مُقاتل، فلما تحقَّقَ رسولُ الله وأصحابُه قدومَهم وعدَه الله إحدى الطائفتين أن سيُظفِره بهم (٣)، إما العيرُ وإما النفيرُ، فودَّ كثيرٌ من الصحابة -ممن كان


(١) رواه مسلم في صحيحه رقم (١٩٢٠) و (٢٨٨٩) في الفتن وأشراط الساعة، ولفظه: " إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها " ورواه الترمذي في الجامع رقم (٢١٧٦) في الفتن، وأبو داود في سننه رقم (٤٢٥٢) في الفتن، وهو عند أحمد في المسند (٥/ ٢٧٨).
(٢) تقدم ذلك في السيرة النبوية.
(٣) كذا في (أ) وفي المطبوع: سيظفره بها.