معه - أن يكونَ الوعدُ للعير، لما فيه من الأموال وقفةِ الرجال، وكرهوا لقاءَ النفير، لما فيه من العَدد والعُدد، فخَارَ الله لهم وأنجزَ لهم وعدَه في النفير، فأوقع بهم بأسَه الذي لا يُرَدّ، فقُتِلَ من سَراتِهم سبعون، وأُسِرَ سبعون، وفادُوا أنفسَهم بأموال جزيلة، فجمعَ لهم بين خيري الدنيا والآخرة، ولهذا قال تعالى: ﴿وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾ [الأنفال: ٧]. وقد تقدم بيان هذا في غزوة بدر.
وقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنفال: ٧٠] وهكذا وقع؛ فإن الله عوَّضَ مَن أسلمَ منهم بخير الدنيا والآخرة.
ومن ذلك ما ذكرَه البخاريُّ (١) أن العباسَ جاءَ إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسولَ الله، أعطني، فإني فاديتُ نفسي، وفاديتُ عَقيلًا، فقال له:" خذ " فأخذَ في ثوبٍ مقدارًا لم يُمكنهُ أن يُقِلَّه، ثم وضعَ منه مرةً بعد مرةٍ حتى أمكنَه أن يحملَه على كاهله، وانطلقَ به كما ذكرناه في موضعه مبسوطًا. هذا من تصديق هذه الآية الكريمة.
وقال تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [التوبة: ١٢٨] وهكذا وقعَ، عوَّضَهم الله عما كان يغدو إليهم مع حُجَّاج المشركين، بما شرَعه لهم من قتال أهل الكتاب، وضَربِ الجِزية عليهم، وسلبِ أموالِ من قُتل منهم على كفره، كما وقع بكفّار أهل الشام من الروم وَمَجوس الفرس، بالعراق وكيرها من البلدان التي انتشرَ الإسلام على أرجائها، وحكم على مدائنها وفَيفَائها، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: ٣٣].
وقال تعالى: ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ﴾ الآية [التوبة: ٩٥]، وهكذا وقع، لمَّا رجعَ ﷺ من غزوة تبوك، كان قد تخلَّفَ عنه طائفةٌ من المنافقين، فجعلوا يَحلِفون باللّه لقد كانوا معذورينَ في تخلّفهم، وهم في ذلك كاذبون، فأمرَ الله رسولَه أن يُجرِيَ أحوالَهم على ظاهرها، ولا يفضحَهم عند الناس، وقد أطلَعه الله على أعيان جماعةٍ منهم أربعةَ عشرَ رجلًا كما قدَّمناه لك في غزوة تبوك، فكان حُذيفةُ بن اليَمَان ممن يعرفُهم بتعريفه إياه ﷺ.
وقال تعالى: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٦] وهكذا وقع، لما اشتوروا عليه ليثبتوه، أو يقتلوه، أو يُخرجوه من بين أظهرهم، ثم وقع الرأي على القتل، فعند ذلك أمر الله رسولَه بالخروج من بين أظهرهم، فخرجَ هو وصديقُه أبو بكر،