للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفتح الفتوح، ودخل الناس في دين الله أفواجًا كما قال الله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا﴾ [النصر: ١ - ٢].

قلت: ماتَ رسولُ الله وقد فتحَ الله له المدينةَ وخيبرَ ومكَةَ وأكثرَ اليمن وحضرموت، وتوفي عن مئة ألف صحابي أو يزيدون، وقد كتبَ في آخر حياته الكريمة إلى سائر ملوك الأرض يدعُوهم إلى الله تعالى، فمنهم من أجابَ، ومنهم من توقَّفَ، ومنهم مَن صانعَ ودَارى عن نفسه، ومنهمِ من تكبَّر فخابَ وخسر، كما فعلَ كسرى بن هرمز حين عتى وبغى وتكبَّر، فمُزق مُلكُه، وتفرَّق جندُه شَذرَ مَذَرَ، ثم فتحَ خلفاؤُه من بعده، أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم عليّ التالي على الأثر، مشارقَ الأرض ومغاربَها، من البحر الغربيّ إلى البحر الشرقيّ، كما قال رسولُ الله : "زُويت لي الأرضُ فرأيتُ مشارقَها ومغاربَها، وسيبلغُ ملكُ أمتي ما زُوي لي منها" (١).

وقال : "إذا هلكَ قيصرُ فلا قيصرَ بعدَه، وإذا هلكَ كسرى فلا كسرى بعدَه، والذي نفسي بيده لَتُنْفِقُنَّ كنوزَهما في سبيل الله" (٢). وكذا وقعَ سَواءً بسواء، فقد استوسقت الممالكُ الإسلامية على ملك قيصر وحواصله، إلا القسطنطينية، وجميع ممالك كسرى وبلاد المشرق، وإلى أقصى بلاد المغرب، إلى أن قُتل عثمانُ في سنة ست وثلاثين. فكما عمَّت جميعَ أهل الأرض النقمة بدعوة نوحُ ، لما رأى ما هم عليه من التمادي في الضَّلال والكفر والفُجور، فدعا عليهم غضبًا للّه ولدينه ورسالته، فاستجاب الله له، وغضبَ لغضبه، وانتقمَ منهم بسببه، كذلك عمَّت جميعَ أهل الأرض النّعمةُ ببركة رسالة محمد ودعوته، فآمن من آمن من الناس، وقامت الحجة على من كفر منهم، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧] وكما قال : "إنما أنا رحمة مهداة" (٣).


(١) رواه ابن ماجه في الفتن (٣٩٥٢) عن ثوبان ، وهو حديث صحيح.
(٢) رواه البخاري في صحيحه (٣١٢٠) في فرض الخمس، ومسلم في الفتن (٢٩١٨) (٧٥).
(٣) رواه الدارمي (١/ ٩) عن إسماعيل بن خليل عن علي بن مُسْهر، وابن أبي شيبة (المصنف ١١/ ٥٠٤) عن وكيع، كلاهما (علي بن مسهر ووكيع) عن الأعمش عن أبي صالح مرسلًا. ورواه الحاكم في المستدرك (١/ ٣٥) والبيهقي في الدلائل (١/ ١٥٨) من طريق مالك بن سعير، عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة موصولًا. وصححه الحاكم، ولم يصب في ذلك، فإن الرواية المرسلة هي الصحيحة رواها ثقتان عن الأعمش وهما وكيع وعلي بن مسهر، فتبين أن مالك بن سعير قد تفرد بوصله فأخطأ، وهو صدوق، وقد ضعفه أبو داود، وقال الأزدي: عنده مناكير (كما في تهذيب الكمال ٤٦/ ١٢٧ - ١٤٧ والتعليق عليه)، فأين هو من الثقتين وكيع وعلي بن مسهر؟ فالمرسل هنا علة للموصول. أما رواية عبد الله بن نصر بن وكيع لهذا الحديث عن وكيع موصولا (كما في كامل ابن عدي ٤/ ١٥٤٦) فهو مما رده ابن عدي وغلَّطه فيه، وذكر أن الحديث المرفوع هو حديث مالك بن سعير، والحمد للّه على مننه (بشار).