للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والعباس بيننا مؤمن بين خليلين". غريبٌ، وفي إسناده نظر (١)، انتهى ما أورده أبو نُعيم .

وقال مسلمُ بن الحجَّاج في "صحيحه": حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبةَ واسحاقُ بن إبراهيم، قالا: حدَّثنا زكريا بن عديّ، حدَّثنا عُبيد الله بن عمرو، حدَّثنا زيد بن أبي أُنَيْسَةَ، عن عمرِو بن مُرَّةَ، عن عبد الله بن الحارث، حدَّثني جُنْدَبُ بن عبد الله، قال: سمعتُ النبي قبل أن يموتَ بخمسٍ وهو يقولُ: "إني أبرأُ إلى الله ﷿ أن يكونَ لي بينكم خليلٌ، فإن الله قد اتَّخذني خليلًا كما اتَّخذَ إبراهيم خليلًا، ولو كنتُ مُتَّخِذًا مِن أُمَّتِي خليلًا لاتَّخذتُ أبا بكر خليلًا، ألا وإنَّ مَن كانَ قبلَكُم يتَّخذون قبورَ أنبيائهِم وصالحِيهم مَساجِدَ، ألا فلا تَتَّخذوا القبورَ مساجدَ، إني أنهاكُم عن ذلك" (٢).

وأما اتِّخاذُه حَبيبًا خليلًا، فلم يتعرَّض لإسناده أبو نُعيم، وقد قال هشام بن عمَّار في كتابه "المبعث": حدَّثنا يحيى بن حمزة الحَضْرَميّ وعثمان بن علَّان القُرشي، قالا: حدَّثنا عروة بن رُويم اللَّخْمِي، أنَّ رسولَ الله قال: "إنَّ الله أدركَ بي الأجلَ المرقومَ، وأخذَني لقُربهِ، واحتضرني احتضارًا، فنحنُ الآخرون، ونحن السَّابقون يومَ القيامة، وأنا قائلٌ قولًا غيرَ فخر: إبراهيمُ خليلُ الله، وموسى صفيُّ الله، وأنا حبيبُ الله، وأنا سيِّدُ ولدِ آدمَ يومَ القيامة، وإن بيدي لواءَ الحمد، وأجارَني الله عليكم من ثلاث: ألا يُهلكَكُم بسَنَة، وألا يستبيحَكُم عدوَّكُم، وألا تجتمعوا على ضلالة" (٣).

وأما الفقيه أبو محمد عبدُ الله بن حامد، فتكلَّم على مقام الخُلَّة بكلام طويل إلى أن قال: ويُقال: الخليل: الذي يَعبدُ ربَّه على الرغبة والرهبة، من قوله: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ [التوبة: ١١٤] من كثرة ما يقول: أوَّاه. والحبيبُ: الذي يعبدُ ربَّه على الرؤية والمحبَّة. ويُقالُ: الخليل: الذي يكون معه انتظار العَطاء، والحبيبُ: الذي يكون معه انتظار اللِّقاء. ويُقال: الخليل: الذي يصلُ بالواسطة من قوله: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ [الأنعام: ٧٥] والحبيبُ: الذي يصل إليه من غير واسطة، من قوله: ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ [النجم: ٩] وقال الخليل: ﴿يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾ [الشعراء: ٨٢] وقال الله للحبيب محمد : ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح: ٢] وقال الخليل: ﴿وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ﴾ [الشعراء: ٨٧] وقال الله للنبيِّ: ﴿يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ [التحريم: ٨] وقال الخليلُ حين أُلقي في النَّار: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: ١٧٣] وقال الله لمحمد: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنقال: ٦٤] وقال الخليل: ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الصافات: ٩٩] وقال الله لمحمد: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾ [الضحى: ٧] وقال


(١) رواه ابن ماجه في سننه (١٤١) في المقدمة، وهو موضوع وآفته شيخ ابن ماجه عبد الوهاب بن الضحاك، فإنه كذاب وضاع. وينظر تعليق الدكتور بثار عليه.
(٢) رواه مسلم (٥٣٢) (٢٣) في المساجد ومواضع الصلاة.
(٣) عروة بن رويم اللَّخمي ثقة يرسل كثيرًا، كما قال الحافظ في التقريب، وهذا مرسل.