للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أعظمُ وأكبرُ، لأنه سارَ في ليلةٍ واحدةٍ من مكَّة إلى بيت المقدس مسيرةَ شهرٍ، وعُرج به في ملكوتِ السموات مسيرة خمسينَ ألف سنة، في أقل من ثلث ليلة، فدخلَ السمواتِ سماءً سماءً، ورأى عجائبها، ووقفَ على الجنَّة والنَّار، وعُرِضتْ عليه أعمالُ اْمته، وصلَّى بالأنبياء وبملائكةِ السموات، واخترقَ الحُجُبَ، وهذا كلُّه في ليلة واحدة، أكبر وأعجب.

وأما تسخيرُ الشياطين بين يديه، تعملُ ما يشاء من محاريبَ وتماثيلَ وجِفانٍ كالجواب وقدور راسيات، فقد أنزلَ الله الملائكةَ المقرَّبين لنصرة عبده ورسوله محمد في غير ما موطن، يوم أحد وبدر، ويوم الأحزاب، ويوم حنين، كما تقدَّم ذكرنا ذلك مفصلًا في مواضعه. وذلك أعظم وأبهر، وأجلُّ وأعلى من تسخير الشياطين. وقد ذكر ذلك أبو حامد في كتابه.

وفي الصحيحين: من حديث شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "إن عفريتًا من الجِنِّ تفلَّت عليَّ البارحة - أو كلمةً نحوَها - ليقطعَ عليَّ الصلاة، فأمكنني الله منه، فأردتُ أن أربطَه إلى ساريةٍ من سواري المسجد حتى تُصبحوا وتنظروا إليه كلكم، فذكرتُ دعوةَ أخي سليمان: رب اغفر لي وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي" (١). قال روح: فردَّه الله خاسئًا. لفظ البخاري. ولمسلم: عن أبي الدرداء نحوه، قال: "ثم أردتُ أخذَه، والله لولا دعوةُ أخينا سليمان لأصبح مُوثَقًا يلعبُ به. وِلدانُ أهل المدينة" (٢).

وقد روى الإمام أحمد بسند جيد (٣): عن أبي سعيد، أنَّ رسولَ الله قامَ يُصلِّي صلاةَ الصبح، وهو خلفه، فقرأ فالتبست عليه القراءةُ، فلما فرغَ من صلاته قال: "لو رأيتموني وإبليس فأهويتُ بيدي فما زلتُ أختنقه حتى وجدتُ بردَ لُعابه بين أُصبعيَّ هاتين، الإبهام والتي تليها، ولولا دعوة أخي سليمان لأصبحَ مربوطًا بسارية من سواري المسجد يتلاعبُ به صِبْيان أهل المدينة".

وقد ثبت في الصِّحاح والحِسان والمسانيد؛ أن رسولَ الله قال: "إذا دخلَ شهرُ رمضانَ فتحت أبواب الجنان وغُلِّقَتْ أبوابُ النيران وصُفِّدت الشياطين" (٤) وفي رواية: "مردة الجن". وهذا من بركة ما شرَعه الله له من صيام شهر رمضان وقيامه، وسيأتي عند ذكر إبراء الأكمه والأبرص من معجزات المسيح عيسى ابن مريم ، دعاء رسول الله لغير ما واحد ممن أسلم، من الجِنِّ (٥)،


(١) رواه البخاري (٤٤٩) في المساجد، باب الأسير يُربط في المسجد، ومسلم في المساجد (٥٤١) باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة.
(٢) رواه مسلم في المساجد (٥٤٢).
(٣) رواه أحمد في المسند (٣/ ٨٢ - ٨٣) وهو كما قال المؤلف.
(٤) رواه البخاري (١٨٩٩) في الصوم، باب هل يقال رمضان، ومسلم (١٠٧٩) في الصوم، باب فضل شهر رمضان.
(٥) أي: من مسِّ الجن.