للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فشُفِي، وفارقَهم خوفًا منه ومهابة له، وامتثالًا لأمره، صلوات الله وسلامه عليه. وقد بعث الله إليه نفرًا من الجِنِّ يسمعونَ القرآنَ، فآمنوا به وصدَّقوه، ورجعوا إلى قومهم فدَعَوهم إلى دين محمّد ، وحذَّرُوهم مخالفَته، لأنه كان مبعوثًا إلى الإنس والجِنِّ، فآمنت طوائفُ من الجِنِّ كثيرة كما ذكرنا، ووفدت إليه منهم وفودٌ كثيرة وقرأ عليهم سورةَ الرحمن، وخبَّرهم بما لِمَن آمنَ منهم من الجِنان، وما لِمَن كفرَ من النيران، وشرعَ لهم ما يأكلون وما يُطعمون دوابَّهم، فدلَّ على أنه بيَّنَ لهم ما هو أهمُّ من ذلك وأكبر.

وقد ذكر أبو نُعيم (١) هاهنا حديثَ الغول التي كانت تسرقُ التمرَ من جماعةٍ من أصحابه ، ويُريدون إحضارَها إليه، فتمتنعُ كل الامتناع خوفًا من المثول بين يديه، ثم افتدت منهم بتعليمهم قراءة آية الكرسيّ التي لا يقربُ قارئَها الشيطانُ، وقد سقنا ذلك بطرقه وألفاظه عند تفسير آية الكرسي من كتابنا التفسير (٢) ولله الحمد. والغولُ: هي الجِنُّ المتبدّي بالليل في صورة مرعبة.

وذكر أبو نُعيم هاهنا حمايةَ جبريل له غير ما مرة من أبي جهل كما ذكرنا في السِّيرة، وذكر مقاتلة جبريل وميكائيل عن يمينه وشماله يومَ أُحد.

وأما ما جمعَ الله تعالى لسليمانَ من النبوة والمُلك كما كان أبوه من قبله، فقد خيَّر الله عبدَه محمّدًا بين أن يكونَ مَلِكًا نبيًّا أو عَبدًا رسولًا، فاستشارَ جبريلَ في ذلك فأشارَ إليه وعليه أن يتواضعَ، فاختارَ أن يكونَ عبدًا رسولًا، وقد روي ذلك من حديث عائشة وابن عباس، ولا شكَّ أن منصبَ الرسالة أعلى. وقد عُرِضَت على نبيِّنا كنوز الأرض فأباها. قال: "ولو شئتُ لأجرى الله معي جبالَ الأرض ذهبًا، لكن أجوعُ يومًا وأشبعُ يومًا" وقد ذكرنا ذلك كلَّه بأدلته وأسانيده في التفسير وفي السيرة أيضًا، ولله الحمد والمنة.

وقد أوردَ الحافظُ أبو نُعيم هاهنا طرفًا منها، من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد وأبي سلمةَ، عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله : "بينا أنا نائمٌ جِيءَ بمفاتيح خزائنِ الأرض فجُعِلتْ في يدي" (٣).

ومن حديث الحسين بن واقد، عن أبي الزبير، عن جابر، مرفوعًا: "أوتيتُ بمفاتيح خزائن الدنيا على فرس أبلق، جاءني به جبريل عليه قطيفة من سندس" (٤). ومن حديث القاسم، عن أبي أمامة،


(١) دلائل النبوة؛ لأبي نعيم (٢/ ٧٦٦).
(٢) انظر تفسير ابن كثير (١/ ٣٧٨ - ٣٨٢).
(٣) ورواه البخاري (٢٩٧٧) بنحوه في الجهاد، ومسلم (٥٢٣) (٦) في المساجد، من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.
(٤) رواه أحمد في المسند (٣/ ٣٢٨) وإسناده ضعيف فإن أبا الزبير مدلس وقد عنعنه.