للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مرفوعًا: "عرضَ عليَّ ربِّي ليجعلَ لي بطحاءَ مكَّة ذهبًا، فقال: لا يا ربّ، ولكن أشبعُ يومًا وأجوعُ يومًا، فإذا جعتُ تضرَّعتُ إليك وذكرتُكَ، وإذا شبعتُ حمدتُك وشكرتُك" (١).

قال أبو نعيم: فإن قيل: فإنَّ سليمان كان يفهمُ الطَّير والنَّملة كما قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ﴾ [النمل: ١٦] الآية وقال: ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا﴾ الآية [النمل: ١٨ - ١٩]. قيل: قد أعطي محمّد مثل ذلك وأكثر منه، فقد تقدَّم ذكرنا لكلام البهائم والسِّباع، وحنين الجذع، ورُغاء البعير، وكلام الشَّجَرِ، وتسبيح الحصى والحجر، ودعائه إياه واستجابته لأمره، وإقرار الذئب بنبوَّته، وتسخير الطير لطاعته، وكلام الظبية وشكواها إليه، وكلام الضَّبِّ وإقراره بنبوَّته، وما في معناه، كلُّ ذلك قد تقدَّم في الفصول بما يُغني عن إعادته. انتهى كلامه.

قلت: وكذلك أخبره ذراع الشاة بما فيه من السُّمّ، وكان ذلك بإقرار من وضعه فيه من اليهود.

وقال: "إن هذه السَّحابةَ لتستهِلُّ بنصرك يا عمرو بن سالم - يعني الخزاعي (٢) -" حين أنشدَه تلك القصيدةَ يستعديه فيها على بني بكر الذين نَقَضُوا صُلحَ الحديبية، وكان ذلك سببَ فتح مكَّة كما تقدَّم.

وقال : "إني لأعرفُ حَجَرًا كان يُسلِّمُ عليَّ بمكة قبلَ أَن أُبعثَ، إنِّي لأعرفُه الآن (٣) " فهذا إن كان كلامًا كما يليق بحاله ففهم عنه الرسول ذلك، فهو من هذا القبيل وأبلغ، لأنه جماد بالنسبة إلى الطير والنمل، لأنهم من الحيوانات ذوات الأرواح، وإن كان سلامًا نطقيًا وهو الأظهر، فهو أعجب من هذا الوجه أيضًا، كما قال عليّ: خرجتُ مع رسول الله في بعض شعاب مكة، فما مرَّ بحجر ولا شجر ولا مدر إلا قال: السلام عليك يا رسولَ الله (٤)! فهذا نطقٌ سمعه رسول الله وعليّ .

ثم قال أبو نُعيم: حدَّثنا أحمدُ بن محمد بن الحارث العنبري، حدَّثنا أحمد بن يوسف بن سفيان، حدَّثنا إبراهيمُ بن سُويد النخعي، حدَّثنا عبد الله بن أذينة الطائي، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل قال: أتى النبي - وهو بخيبر - حمار أسود فوقف بين يديه فقال: "من أنت؟! فقال: أنا عمرو بن فهران، كنا سبعة إخوة وكلنا رَكِبَنا الأنبياءُ وأنا أصغرُهم، وكنتُ لك فملكني


(١) رواه الترمذي في سننه (٢٣٤٧) مكرر في الزهد وإسناده ضعيف.
(٢) السيرة النبوية؛ لابن هشام (٢/ ٣٩٥)، وانظر فتح الباري (٧/ ٥٢٠) والبيهقي في السنن (٩/ ٢٣٣) وهو حديث حسن.
(٣) رواه مسلم في صحيحه (٢٢٧٧) في الفضائل.
(٤) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٨/ ٢٦٠)، وقال: رواه الطبراني في الأوسط، والتابعي أبو عمارة الحيواني لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات وفي إسناده ضعف.