للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والرَّجَّال وكنت متخوفًا لها، حتى خرجَ الرَّجَّال مع مسيلمة، وشهدَ له بالنبوة، فكانت فتنةُ الرجَّال أَعظمَ من فتنة مسيلمة (١).

رواه ابن إسحاق عن شيخ عن أبي هريرة.

وقرب خالد وقد جعل على المقدمة شرحبيل بن حسنة، وعلى المَجْنبتين زيدًا وأبا حذيفة، وقد مرَّت المقدمة في الليل بنحو من أربعين وقيل ستين فارسًا، عليهم مجاعة بن مرارة، وكان قد ذهب لأخذ ثأرٍ له في بني تميم وبني عامر وهو راجعٌ إلى قومه فأخذوهم، فلما جيء بهم إلى خالد عن آخرهم فاعتذروا إليه فلم يصدِّقهم، وأمر بضربِ أعناقهم كلِّهم، سوى مجاعة فإنه استبقاهُ مقيَّدًا عنده - لعلمه بالحرب والمكيدة - وكان سيِّدًا في بني حنيفة، شريفًا مطاعًا، ويقال: إن خالدًا لما عرضوا عليه قال لهم: ماذا تقولون يا بني حنيفة؟ قالوا: نقول منا نبي ومنكم نبي، فقتلهم إلَّا واحدًا اسمه سارية، فقال له: أيها الرجل إن كنتَ تريد بأهل اليمامة غدًا خيرًا أو شرًا فاستبق هذا الرجل - يعني مجاعة بن مرارة - فاستبقاه خالد مقيدًا، وجعله في الخيمة مع امرأته، وقال: استوصي به خيرًا، فلما تواجه الجيشان قال مسيلمة لقومه: اليوم يوم الغيرة، اليوم إن هُزمتم تُستنكح النساء سَبيّاتٍ، ويُنكحن غيرَ حظيّاتٍ، فقاتلوا عن أحسابكم، وامنعوا نساءكم.

وتقدم المسلمون حتى نزل بهم خالد على كثيب يُشرف على اليمامة، فضرب به عسكره، ورايةُ المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة، ورايةُ الأنصار مع ثابت بن قيس بن شمّاس، والعرب على راياتها، ومجاعة بن مرارة مقيدٌ في الخيمة مع أم تميم امرأة خالد، فاصطدم المسلمون والكفار فكانت جولة وانهزمتِ الأعرابُ حتى دخلت بنو حنيفة خيمةَ خالد بن الوليد وهمّوا بقتل أم تميم، حتى أجارها مجاعة وقال: نعمتِ الحُرَّةُ هذه، وقد قُتل الرَّجَّالُ بن عنفوة لعنه الله في هذه الجولة، قتله زيدُ بن الخطاب.

ثم تذامر (٢) الصحابة بينهم. وقال ثابت بن قيس بن شماس: بئس ما عوَّدتم أقرانَكم، ونادَوْا من كل جانب: أخلصنا يا خالد، فخلصت ثلة من المهاجرين والأنصار وحمى البراء بن مالك - وكان إذا رأى الحرب أخذته العُرَوَاء (٣) فيجلس على ظهره الرجال حتى يبول في سراويله، ثم يثور كما يثور الأسد. وقاتلت بنو حنيفة قتالًا لم يعهد مثله.

وجعلت الصحابة يتواصَون بينهم ويقولون: يا أصحاب سورةِ البقرةِ، بَطلَ السِّحْرُ اليوم، وحفر ثابتُ بن قيس لقدميه في الأرض إلى أنصافِ ساقَيْه، وهو حاملُ لواءِ الأنصارِ بعدما تحنَّطَ وَتكفَّنَ، فلم


(١) الحديث في تاريخ الطبري (٣/ ٢٨٩) وإتحاف السادة المتقين للزبيدي (٧/ ١٨١) وإسناده ضعيف جدًّا.
(٢) تذامروا: تلاوموا على ترك الفرصة، وقد تكون بمعنى تحاضُّوا على القتال. اللسان (ذمر)، وفي المطبوع من تاريخ الطبري (٣/ ٢٩٠): "تداعوا"، ولكنها وردت كما هنا في مكان آخر (٣/ ٢٩١).
(٣) العرواء: رعدة تصيب الإنسان، وهي في الأصل: برد الحمى.