ما أريت" وكان رسول الله ﷺ قد رأى في المنام كأن في يده سوارين من ذهب فأهمَّه شأنهما، فأوحى الله إليه في المنام انفخهما، فنفخهما فطارا، فأوَّلهما بكذَّابين يخرجان، وهما صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة. وهذا وقع، فإنهما ذهبا وذهب أمرهما، أما الأسودُ فذُبح في داره، وأما مُسيلمةُ فعقره الله على يَدَيْ وَحْشي بن حرب، رماهُ بالحربة فانفذه كما تُعْقرُ الإبلُ، وضربه أبو دُجانة على رأسه ففَلقَهُ وذلك بعُقْرِ داره في الحديقةِ التي يقال لها حديقةُ الموتِ (١).
وقد وقف عليه خالد بن الوليد وهو طريحٌ - أراه إياه من بين القتلى مُجَّاعة بن مُرارة - ويقال: كان أصفر أُخينس، وقيل: كان ضخمًا أسمرَ اللون كأنه جملٌ أورقُ، ويقال: إنه ماتَ وعمرُه مئةٌ وأربعون سنة، فالله أعلم.
وقد قتل قبله وزيراه ومستشاراه لعنهما الله، وهما:
مُحكَّمُ بن الطُّفَيْل الذي يقال له مُحكَّمُ اليمامة، قتله عبد الرحمن بن أبي بكر، رماه بسهم وهو يخطبُ قومه يأمرهم بمصالح حربهم فقتله.
والآخر نَهار بن عُنْفُوة الذي يقال له الرَّجَّالُ بن عُنْفُوة، وكان ممَّن أسلم ثم ارتدَّ وصدَّقَ مسيلمةَ لعنهما الله في هذه الشهادة، وقد رزق الله زيد بن الخطاب قتله قبل أن يُقتل زيد ﵁.
ومما يدل على كذب الرَّجَّال في هذه الشهادة الضرورة في دين الإسلام، وما رواه البخاري وغيره أن مسيلمةَ كتبَ إلى رسول الله ﷺ: بسم الله الرحمن الرحيم، من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله سلام عليك: أما بعدُ فإني قد أُشركت معكَ في الأمر، فلك المدرُ ولي الوبرُ - ويُروى فلكم نصف الأرض ولنا نصفها - ولكنَّ قريشًا قوم يعتدون.
فكتب إليه رسول الله ﷺ: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، سلامٌ على من اتَّبعَ الهُدى، أما بعد فإن الأرضَ لله يورثُها من يشاءُ من عباده والعاقبةُ للمتقين".
وقد قدمنا ما كان يتعاطاه مسيلمةُ ويتعاناه لعنه الله من الكلام الذي هو أسخفُ من الهَذَيان، مما كان يزعمُ أنه وحيٌ من الرحمن، تعالى الله عمَّا يقولُه وأمثاله علوًا كبيرًا.
ولما مات رسول الله ﷺ زعمَ أنه استقل بالأمر من بعده واستخفَّ قومَهُ فأطاعوه، وكان يقول: [من المتقارب]
خُذي الدُّفَّ يا هذهِ والعبِي … وَبُثِّي محاسِنَ هذا النَّبي
تولَّى نبيٌّ بَني هاشم … وَقَام نَبيُّ بني يَعربِ
فلم يُمهله اللهُ بعد وفاةِ رسول الله ﷺ إلَّا قليلًا حتى سلط اللهُ عليه سيفًا من سيوفه، وحتفًا من حتوفه
(١) الحديث رواه البخاري في صحيحه (٤٣٧٨) و (٤٣٧٩) في المغازي و (٧٤٦١) في التوحيد.