للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكتب إليه عمرو بن العاص: إنّي سهمٌ من سهام الإسلام، وأنت عبد (١) الله الرامي بها، والجامع لها، فانظرْ أشدَّها وأخشاها فارم (بي) فيها. وكتب إلى الوليد بن عقبة بمثل (٢) ذلك ورد عليه مثله، وأقبلا بعد ما استخلفا في عملهما، إلى المدينة. وقدم خالد بن سعيد بن العاص من اليمن، فدخل المدينةَ وعليه جبَّةُ ديباج، فلما رآها عمرُ عليه أمر من هناك من الناس بتحريقها (٣) عنه، فغضب خالد بن سعيد وقال لعلي بن أبي طالب: يا أبا الحسن! أغُلبْتُم يا بني عبد مناف عن الإمرة؟ فقال له علي: أمغالبة تراها أو خلافة؟ فقال لا يغالب (٤) على هذا الأمر أولى منكم، فقال له عمر بن الخطاب: اسكت فضَّ اللهُ فاك، والله لا تزال كاذبًا تخوض فيما قلت ثم لا تضر إلا نفسك. وأبلغها عمر أبا بكر فلم يتأثر لها أبو بكر.

ولما اجتمع عند الصدِّيق من الجيوش ما أراد قام في الناس خطيبًا فأثنى على الله بما هو أهله، ثم حثَّ الناسَ على الجهاد فقال: ألا [إنّ] (٥) لكلِّ أمرٍ جوامع، فمنْ بلغَها فهي حسبُه، ومن عملَ للّه كفاهُ اللهُ، عليكم بالجدِّ والقصد فإنَّ القصدَ أبلغُ، ألا إنه لا دينَ لأحدٍ لا إيمانَ له، ولا إيمانَ لمنْ لا حسبه (٦) له، ولا عملَ لمن لا نيَّة له، ألا وإن في كتابِ الله من الثواب على الجهادِ في سبيل الله لما ينبغي للمسلم أن يحبَّ أن يُخصَّ به، هي التجارة (٧) التي دلَّ اللهُ عليها، إذ نَجَّى بها من الخزي، وألحق بها [من] الكرامة.

ثم شرعَ الصدِّيقُ في توليةِ الأمراءِ وعقدِ الألويةِ والرايات، فيُقال إنَّ (أولَ) لواءٍ عَقَدهُ لخالدِ بن سعيد بن العاص، فجاء عمر (بن الخطاب) فثناه عنه وذكَّره بما قال. فلم يتأثر (به الصديق كما تأثر به عمر، بل عزله عن الشام وولاه أرض "تيماء" يكون بها فيمن) معه من المسلمين حتى يأتيه أمره.

ثم عقدَ لواءَ يزيد بن أبي سفيان ومعه جمهورُ الناس، ومعه سهيلُ بن عمرو، وأشباهُه من أهل مكة، وخرج معه ماشيًا يوصيه (بما اعتمده في حربه ومن معه من المسلمين، وجعل له دمشق. وبعث أبا عبيدة بن الجراح على جند آخر، وخرج معه ماشيًا يوصيه)، وجعل له نيابةَ حمص. وبعثَ عمرو بن العاص ومعه جندٌ أخر وجعله على فلسطين. وأمر كلَّ أميرٍ أن يسلكَ طريقًا غير طريق الآخر، لما لحظ في ذلك من المصالح. وكان الصدِّيقُ اقتدى في ذلك بنبيِّ الله يعقوب حين قال لبنيه: ﴿وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا


(١) في أ: فعبد الله، وفي الطبري: بعد الله.
(٢) في أ: قبل ذلك، وفي الطبري: بنحو ذلك.
(٣) في تاريخ الطبري (٣/ ٣٨٨): فصاح عمر بمن يليه مزّقوا عليه جبته.
(٤) في أ: لا يخالف.
(٥) استدراك من الطبري.
(٦) في أ: خشية. وفي نسخة "ولا أجر لمن لا حسبة له".
(٧) في أ، ط: هي النجاة؛ وما هنا عن الطبري (٣/ ٣٩٠).