للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استشار كعبًا أين يضعُ المَسْجد؟ فأشار (١) عليه بأن يجعله وراءَ الصخرة، فضربَ في صدره وقال. يا ابنَ أمِّ كعب ضارعتَ اليهود (٢) وأمر ببنائه في مُقَدَّمِ بيت المقدس.

قال (الإمام) أحمد (٣): حدَّثنا أسود بن عامر، حدَّثنا حماد بن سلمة، عن أبي سنان، عن عبيد بن آدم وأبي مريم وأبي شعيب أنَّ عمر بن الخطاب كان بالجابية فذكر فتح بيت المقدس، قال قال ابن سلمة؛ فحدثني أبو سنان عن عبيد بن آدم سمعت عمر يقول لكعب: أين ترى أن أصلي؟ قال إن أخذت (عني) صليت خلفَ الصخرة وكانت القدسُ كلُّها بين يديك، فقال عمر: ضاهيتَ اليهوديةَ لا ولكن أصلِّي حيثُ صلَّى رسولُ اللّه ، فتقدَّم إلى القبلة فصلَّى، ثم جاء فبسط رداءَهُ وكَنَس الكُناسة في ردائه وكنسَ الناسُ.

وهذا إسناد جيد اختاره الحافظ ضياء الدين المقدسي في كتابه "المُسْتخرج" وقد تكلَّمنا على رجاله في كتابنا الذي أفردناه في "مسند عمر" (٤) ما رواه من الأحاديث المرفوعة وما روي عنه من الآثار الموقوفة مبوبًا على أبواب الفقه وللّه الحمد والمنة.

وقد رَوى سيفُ بن عمر (٥) عن شيوخه (٦) عن سالم قال: لمّا دخلَ عمرُ الشامَ تلقاه رجلٌ من يهود دمشق، فقال السلامُ عليك يا فاروقُ، أنتَ صاحبُ إيلياء؟ لا ها للّه لا ترجع حتى يفتح اللّهُ عليك إيلياء.

وقد روى أحمد بن مروان الدِّينوري (٧)، عن محمد بن عبد العزيز، عن أبيه، عن الهيثم بن عدي، عن أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه، عن جده أسلم - مولى عمر بن الخطاب - أنّه قدم دمشق في تجار من قريش، فلما خرجوا تخلَّف عمرُ لبعض حاجته، فبينما هو في البلد إذا ببطْريقٍ يأخذُ بعنقه، فذهب ينازعه فلم يقدر، فأدخل دارًا فيها ترابٌ وفأس ومجرفةٌ وزنبيلٌ، وقال له: حوّل هذا من هاهنا إلى هاهنا، وغلق عليه الباب، وانصرف فلم يجئ إلى نصف النهار.

قال: وجلست مفكرًا ولم أفعل مما قال لي شيئًا. فلما جاء قال: ما لك لم تفعل؟ ولكمني في رأسي بيده قال: فأخذت الفأس فضربته بها فقتلته وخرجت على وجهي فجئت ديرًا لراهبٍ فجلستُ عنده من


(١) في أ: فشار.
(٢) في أ: اليهودية.
(٣) في مسنده (١/ ٣٨) رقم (٢٦١) ومن طريقه الضياء في المختارة رقم (٢٤١).
(٤) مسند عمر (١/ ١٦٠)، وقال هناك: هذا حديث حسن، وهو اجتهاده ، وفي إسناده عيسى بن سنان الحنفي القسملي، ضعفه ابن معين وأحمد وأبو زرعة ووثقه بعضهم، وقال أبو حاتم: ليس يقوى في الحديث، وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: ليّن الحديث، وهو كما قال، فمثله لا يحتمل التفرد.
(٥) تاريخ الطبري (٣/ ٦٠٨).
(٦) في أ: عن مبشر عن سالم.
(٧) أحمد بن مروان الدِّينوري، محدث، فقيه نزل مصر وبها توفي سنة (٢٩٨) من تآليفه مناقب مالك، والرد على الشافعي، وكتاب المجالسة. معجم المؤلفين (٢/ ١٧٤).