للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خدعتني، وإنك إنما ولّيته لأئه صهرك وليشاورك كل يوم في شأنه، وأنه تلكأ حتى قال له عبد الرحمن: ﴿فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح: ١٠] إلى غير ذلك من الأخبار المخالفة لما ثبت في الصحاح فهي مردودة على قائليها وناقليها، والله أعلم.

والمظنون بالصحابة خلاف ما يَتَوَهَّمُ كثيرٌ من الرافضة وأغبياء القصَّاص الذين لا تمييز عندهم بين صحيح الأخبار وضعيفها، ومستقيمها وسقيمها، ومُنْآدها (١) وقويمها، والله الموفق للصواب.

وقد اختلف علماء السير في اليوم الذي بويع فيه لعثمان بن عفان ، فروى الواقدي عن شيوخه أنه بويع يوم الإثنين لليلة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، واستقبل بخلافته المحرم سنة أربع وعشرين، وهذا غريب جدًا.

وقد روى الواقدي أيضًا عن ابن جريج (٢) عن ابن أبي مليكة قال: بويع لعثمان بن عفان لعشرٍ خلونَ من المحرم بعد مقتل عمر بثلاث ليالٍ، وهذا أغرب من الذي قبله.

وكذا روى (٣) سيف بن عمر عن عامر الشَّعبي أنه قال: اجتمع أهل الشورى على عثمان لثلاثٍ خلونَ من المحرم سنة أربع وعشرين، وقد دخل وقت العصر وقد أذن مؤذن صهيب، واجتمع الناس بين الأذان والإقامة فخرج فصلَّى بهم العصر.

وقال سيف عن خُلَيد بن زفر (٤) ومجالد قالا: استُخلف عثمان لثلاث خلونَ من المحرم سنة ثلاث وعشرين فخرج فصلَّى بالناس العصر، وزاد الناسَ -يعني في أعطياتهم- مئة، ووفد أهل الأمصار، وهو أولُ من صنع ذلك (٥).

قلت: ظاهر ما ذكرناه من سياق بيعته يقتضي أنَّ ذلك كان قبل الزوال، لكنَّه لمَّا بايعه الناس في المسجد ذهب به إلى دار الشورى على ما تقدم فيها من الخلاف، فبايعه بقية الناس، وكأنه لم يتم البيعة إلا بعد الظهر، وصلَّى صهيب يومئذ الظهر في المسجد النبوي، وكان أول صلاة صلاها الخليفة أمير المؤمنين عثمان بن عفان بالمسلمين صلاة العصر، كما ذكره الشعبي وغيره.

وأما أول خطبة خطبها بالمسلمين فروى سيف بن عمر عن بدر بن عثمان عن عمه قال: لما بايع أهلُ الشورى عثمان خرج وهو أشدّهم كآبةً فأتى منبر النبي فخطبَ الناس، فحمد الله وأثنى عليه وصلَّى على النبي ، وقال: إنكم في دار قلعة وفي بقية أعمار، فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه، (فلقد


(١) في ط: مبادها، ومنآدها: أي معوجها. القاموس (أود).
(٢) في أ، ط: ابن جرير؛ خطأ والتصحيح من تاريخ الطبري (٤/ ٢٤٢).
(٣) في أ: روي عن.
(٤) في الأصل والمطبوع: خليفة بن زفر، والتصحيح من كتب الرجال.
(٥) جملة هذه الأخبار في تاريخ الطبري (٤/ ٢٤٢).