للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أتيتم صُبِّحتم أو مسِّيتم، ألا وإنَّ الدنيا طويت على الغرور) فلا تغرَّنكم (الحياة) الدنيا ولا يغرَّنكم بالله الغرور، واعتبروا بمن مضى ثم جدُّوا ولا تغفلوا. أين أبناء الدنيا وإخوانها الذين أثاروها وعمروها ومُتِّعوا بها طويلًا؟ ألم تلفظهم؟ ارموا بالدنيا حيث رمى الله بها، واطلبوا الآخرة فإن اللهَ قد ضربَ لها مثلًا، بالذي هو خير فقال تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (٤٥) الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ [الكهف: ٤٥ - ٤٦] قال: وأقبل الناس يبايعونه.

قلت: وهذه الخطبة: إمَّا بعد صلاة العصر يومئذ، أو قبل الزوال (وعبد الرحمن بن عوف جالس في رأس المنبر) وهو الأشبه، والله أعلم. وما يذكره بعض الناس (من أن عثمان لمَّا خطب أول خطبة أُرتجَ عليه فلم يدرِ ما يقول حتى قال: أيها الناس،) إنَّ أول مركب صعب، وإن أعش فستأتيكم الخطبة على وجهها، فهو شيء يذكره صاحب العقد (١) وغيره، ممن يذكر طرف الفوائد، ولكن لم أر هذا بإسناد تسكن النفس إليه، والله أعلم.

وأمَّا قول الشعبي إنه زاد الناس مئة (مئة) -يعني في عطاء كل واحد من جند المسلمين- زاده على ما فرض له عمر مئة درهم من بيت المال وكان عمر قد جعل لكل نفس من المسلمين في كل ليلة من رمضان درهمًا من بيت المال يفطر عليه، ولأمهات المؤمنين درهمين (درهمين) فلما ولِّي عثمان أقر ذلك وزاده. واتخذ سماطًا في المسجد أيضًا للمتعبدين، والمعتكفين، وأبناء السبيل، والفقراء، والمساكين .

وقد كان أبو بكر إذا خطب يقوم على الدرجة التي تحت الدرجة التي كان رسول الله يقف عليها، فلما ولِّي عمر نزل درجة أخرى عن درجة أبي بكر ، فلمَّا ولِّي عثمان قال إنَّ هذا يطول فصعد إلى الدرجة التي كان يخطب عليها رسول الله وزاد الأذان الأول يوم الجمعة، قبل الأذان الذي كان يُؤَذّن به بين يدي رسول الله إذا جلس على المنبر.

وأما أول حكومة حكم فيها فقضية عبيد الله بن عمر، وذلك أنه غدا على ابنة أبي لؤلؤة قاتل عمر فقتلها، وضرب (رجلًا) نصرانيًا يقال له جفينة بالسيف فقتله، وضرب الهرمزان الذي كان صاحب تُسْتر فقتله، وكان قد قيل إنهما مالأا أبا لؤلؤة على قتل عمر، فالله أعلم.

و (قد) كان عمر قد أمر بسجنه ليحكم فيه الخليفة من بعده، فلما ولِّي عثمان وجلس للناس كان أول ما تحوكم إليه في شأن عبيد الله، فقال علي: ما من العدل تركه، وأمر بقتله، وقال بعض المهاجرين: أيقتل أبوه بالأمس ويقتل هو اليوم؟ فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين قد برأك الله من ذلك، قضية لم تكن في أيامك فدعها عنك، فودى عثمان أولئك القتلى من ماله، لأن أمرهم إليه، إذ


(١) العقد الفريد لابن عبد ربه (٤/ ٦٦).