للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرسول الله أفضل منه فما تنكر أن يعود إلى هذه الدنيا، وهو أشرف من عيسى ابن مريم ، ثم يقول: وقد كان أوصى إلى علي بن أبي طالب، فمحمد خاتم الأنبياء، وعليّ خاتم الأوصياء، ثُمَّ يقول: فهو أحق بالإمرة من عثمان، وعثمان معتدٍ في ولايته ما ليس له. فأنكروا عليه وأظهروا الأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عن المنكر. فافُتتن به بشرٌ كثيرٌ من أهل مصر، وكتبوا إلى جماعات من عوام أهل الكوفة والبصرة، فتمالؤوا على ذلك، وتكاتبوا فيه، وتواعدوا أن يجتمعوا في الإنكار على عثمان، وأرسلوا إليه من يناظره ويذكر له ما ينقمون عليه من توليته أقرباءه وذوي رحمه وعزله كبار الصحابة. فدخل هذا في قلوب كثير من الناس، فجمع عثمان بن عفان نوّابه من الأمصار فاستشارهم فأشاروا عليه بما تقدم ذكرنا له، فالله أعلم.

وقال الواقدي (١) فيما رواه عن عبد الله بن محمد، عن أبيه قال: لما كانت سنة أربع وثلاثين أكثر الناس (بالمقالة) على عثمان بن عفان ونالوا منه (٢) أقبح ما نيل من أحد، فكلَّم الناس علي (بن أبي طالب) أن يدخلَ على عثمان، فدخل عليه فقال له: إنَّ الناس (ورائي و) قد كلَّموني فيك، ووالله ما أدري ما أقول لك، وما أعرف شيئًا تجهله، ولا أدلُّكَ على أمرٍ لا تعرفه، إنك لتعلم ما نعلم، ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه، ولا خلونا بشيء فنبلغكه، وما خُصصنا بأمورٍ خَفيَ عنك إدراكُها، وقد رأيت وسمعت وصحبت رسول الله ونلت صهره، (وما ابن أبي قحافة بأولى بعملِ الحقِّ منك، ولا ابن الخطاب بأولى بشيءٍ من الخيرِ منك، وإنك أقربُ إلى رسول الله رحمًا، ولقد نلت من صهر رسول الله ما لم ينالا، ولا سبقاك إلى شيء)، فاللهَ اللهَ في نفسك، فإنَّك واللهِ ما تُبصرُ من عَمىً، ولا تعلمُ من جَهْلٍ. وإنَّ الطريقَ لواضحٌ بيّنٌ، وإن أعلام الدين لقائمةٌ، تعلَّم يا عثمان أن أفضلَ عباد الله عند الله إمامٌ عادلٌ، هُديَ وهَدَى، فأقام سُنّة معلومةً، وأماتَ بدعةً معلومةً، فوالله إن كُلًّا لبيّنٌ، وإن السنن لقائمةٌ لها أعلامٌ، وإن البدعَ لقائمةٌ لها أعلامٌ، وإن شرَّ الناس عندَ الله إمام جائر ضل وأضل به فأمات سنةً معلومة وأحيا بدعةً متروكةً، وإني سمعت رسول الله يقول: "يُؤْتى يومَ القيامة بالإمام الجائر، وليس معه نصير ولا عاذر (٣)، فيُلْقى في جهنم، فيدورُ فيها كما تدورُ الرَّحا، ثمَّ يرتطم في غمرة جهنَّم" (٤) وإنِّي أحذرك الله وأحذرك سطوته ونقمته، فإن عذابه أليم شديد، واحذر أن تكون إمام هذه الأمة المقتول، فإنه كان يُقال يقتل في هذه الأمة إمام فيفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة، وتلبس أمورها عليها، ويتركون شيعًا لا يبصرون الحق من الباطل، يموجون فيها موجًا، ويمرحون فيها مرحًا. فقال عثمان: قد والله علمتُ لتقولن الذي قلت، (أما والله) لو كنت مكاني ما عنفتك


(١) تاريخ الطبري (٤/ ٣٣٦).
(٢) في أ: لما كان سنة أربع وثلاثين كثر الناس على عثمان ونالوا منه.
(٣) مكان اللفظة بياض في أ بقدر ثلاث كلمات.
(٤) هو من رواية الواقدي، وهو متروك عند المحدثين.