للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرشنا لكم أعراضنا فَنَبَتْ بكمْ … مغارسُكُم (١) تبنونَ في دِمنِ الثرى

فقال عثمان: اسكت لا سكتَّ، دعني وأصحابي، ما منطقك في هذا (٢)، ألم أتقدَّمْ إليكَ أن لا تنطق. فسكتَ مروان ونزل عثمان .

وذكر سيف بن عمر (٣) وغيره: أن معاوية لما ودّعه عثمان حين عزم على الخروج إلى الشام عرض عليه أن يرحل معه إلى الشام فإنهم قوم كثيرة طاعتهم للأمراء. فقال: لا أختار بجوار رسول الله سواه. فقال: أجَهّز لك جيشًا من الشام يكونون (٤) عندك ينصرونك؟ فقال: إني أخشى أن أضيِّق بهم بلد رسول الله على أصحابه من المهاجرين والأنصار. قال معاوية: فوالله يا أمير المؤمنين لتُغْتالن -أو قال: لتُغْزَين- فقال عثمان: حسبي الله ونعم الوكيل.

ثم خرج معاوية من عنده وهو مُتقِّلدٌ السيفَ وقوسُه في يده، فمرّ على ملأ من المهاجرين (والأنصار)، فيهم علي بن أبي طالب، وطلحة، والزبير، فوقف عليهم واتكأ على قوسه وتكلَّم بكلام بليغ يشتمل (٥) على الوصاة بعثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، والتحذير من إسلامه إلى أعدائه، ثُمَّ انصرف ذاهبًا. فقال الزبير: ما رأيتُه أهيبَ في عيني من يومه هذا.

وذكر ابنُ جرير (٦) أن معاوية استشعر الأمر لنفسه من قدمته هذه إلى المدينة، وذلك أنه سمع حاديًا يرتجز في أيام الموسم في هذا العام وهو يقول: [من الرجز]

قَدْ علمتْ ضَوامرُ المَطيِّ … وضمَّراتُ عَوَجِ القِسيِّ

أنَّ الأميرَ بَعْدهُ عليُّ … وفي الزُّبَيْرِ خَلَفٌ رَضِيُّ

وطلحةُ الحافي لها وليُّ

[فقال كعب الأحبار وهو يسير خلف عثمان: والله إن الأمير بعده صاحب البغلة الشهباء. وأشار إلى معاوية] (٧) فلما سمعها معاوية لم يزل ذلك في نفسه، حتى كان ما كان على ما سنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى وبه الثقة.


(١) في أ: وتاريخ الطبري (٤/ ٣٣٩): معارسكم.
(٢) في أ: وما منطقك وبعدها بياض بقدر كلمة واحدة.
(٣) تاريخ الطبري (٤/ ٣٤٤ - ٣٤٥).
(٤) في أ: يكون.
(٥) في أ: مشتمل.
(٦) في تاريخه (٤/ ٣٤٣).
(٧) ما بين الحاصرتين زيادة من أ، وهي موافقة لما عند الطبري.