للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى جملك. فقال: واللّهِ لم أشعرْ بشيءٍ من ذلك. فقالوا له -بعد كلِّ مقالة- إن كنتَ قد كتبتَه فقد خنتَ، وإن لم تكن قد كتبته بل كُتبَ على لسانك وأنتَ لا تعلم فقد عجزتَ، ومثلُكَ لا يصلُحُ للخلافةِ، إما لخيانتك، وإما لعجزك، وهذا الذي قالوا باطلٌ على كلّ تقدير فإنه لو فرض أنه كتب الكتاب، وهو لم يكتبه في نفس الأمر، لا يضرّه ذلك لأنه قد يكون رأى ذلك مصلحة للأمة في إزالة شوكة هؤلاء البغاة الخارجين على الإمام، وأما إذا لم يكن قد علم به فأي عجزٍ ينسب إليه إذا لم يكن قد اطَّلع عليه وزُوّر على لسانه؟ وليس هو بمعصوم بل الخطأ (١) والغفلةُ جائزان عليه . وإنما هؤلاء الجهلةُ البغاةُ مُتَعنتون خَونةٌ، ظَلَمةٌ مُفْترون، ولهذا صمَّموا بعد هذا على حصره والتضييق عليه، حتى منعوه الميرة والماء والخروج إلى المسجد، وتهددوه بالقتل، ولهذا خاطبهم بما خاطبهم به من توسعة المسجد وهو أول من منع منه، ومن وقفه بئر رومة على المسلمين وهو أول من منع ماءها، ومن أنه سمع رسول الله يقول: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أنه لا إله إلا اللّه إلا بإحدى ثلاث، النفس بالنفس، والثيب (الزاني)، والتارك لدينه المفارق للجماعة" وذكر أنه لم يقتل نفسًا، ولا ارتدَّ بعد إيمانه، ولا زنى في جاهلية ولا إسلام، بل ولا مسَّ فرجَه بيمينه بعد أن بايع بها رسول اللّه ، وفي رواية بعد أن كتب بها المُفصَّل. ثمَّ ذكر لهم من فضائله ومناقبه ما لعله ينجع فيهم بالكف عنه والرجوع إلى الطاعة للّه (٢) ولرسوله ولأولي الأمر منهم، فَأبَوْا إلا الاستمرارَ على ما هم عليه من البغي والعدوان، ومنعوا الناس من الدخول إليه والخروج من عنده، حتى اشتدَّ عليه الحالُ، وضاق المجالُ، ونفد ما عنده من الماء، فاستغاث بالمسلمين في ذلك، فركب علي بنفسه وحمل معه قُرَبًا من الماء، فبالجهد حتى أوصلها إليه بعدما ناله من جهلة أولئك كلام غليظ، وتنفير لدابته، وإخراق عظيم بليغ، وكان قد زجرهم أتم الزجر، حتى قال (٣) لهم فيما قال: واللّه إن فارسَ والرومَ لا يفعلون كفعلكم هذا لهذا (٤) الرجل، واللّه إنهم ليأسرون فيطعمون ويسقون، فأبوا أن يقبلوا منه حتى رمى بعمامته في وسط الدار. وجاءت أم حبيبة راكبة بغلة وحولها حشمها وخدمها فقالوا: ما جاء بك؟ فقالت: إن عنده وصايا (٥) بني أمية، لأيتامٍ وأرامل، فأحببتُ أن أذَكِّره بها، فكذّبوها في ذلك ونالها منهم شدة عظيمة، وقطعوا حزام البغلة (وندّت بها) وكادت أو سقطت عنها، وكادت تُقتل لولا تلاحق بها الناس فأمسكوا بدابتها، ووقع أمر كبير (٦) جدًا، ولم يبق يحصل لعثمان وأهله من الماء إلا ما يوصله إليهم آل عمرو بن حزم في الخفية ليلًا، فإنا للّه وإنا إليه راجعون.


(١): في أ: بل الغفلة والخطأ.
(٢): في أ: بالكف عنه بالرجوع إلى طاعة اللّه ورسوله ولأولي الأمر منهم.
(٣): في أ: وقال لهم.
(٤): في أ: بهذا الرجل.
(٥): في أ: قضايا.
(٦): في أ: كثير.