للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولمّا وقعَ هذا أعظمه الناس جدًا، ولزم أكثر الناس بيوتَهم، وجاء وقت الحج فخرجت أم المؤمنين عائشة في هذه السنة إلى الحج، فقيل لها: إنك لو أقمت كان أصلح، لعل هؤلاء القوم يهابونك، فقالت: إني (أخشى أن) أشيرَ عليهم برأي فينالني منهم من الأذية ما نال أم حبيبة، فعزمت على الخروج (١). واستخلف عثمان في هذه (السنة) على الحج عبد اللّه بن عباس، فقال له عبد اللّه بن عباس: إن مقامي على بابك أحاجف (٢) عنك أفضلُ من الحج. فعزم عليه، فخرج بالناس إلى الحج، واستمرّ الحصارُ بالدّار حتى مضت أيامُ التَّشْريق ورجع البشير من الحجّ، فأخبر بسلامة الناس، وأخبر أولئك بأن أهلَ الموسم عازمون على الرجوع إلى المدينة ليكفوكم عن أمير المؤمنين. وبلغهم أيضًا أن معاوية قد بعث جيشًا مع حبيب بن مسلمة، وأن عبد اللّه بن سعد بن أبي سَرْح قد نفذ آخر مع معاوية بن خديج، وأن أهل الكوفة قد بعثوا القعقاعَ بن عمرو (في جيش)، وأنَّ أهلَ البصرة بعثوا مجاشعًا (في جيش)، فعند ذلك صمَّموا على أمرهم وبالغوا فيه، وانتهزوا الفرصة بقلَّة الناس وغيبتهم في الحجّ، وأحاطوا بالدار، وجدّوا في الحصار، وأحرقوا الباب، وتسوروا من الدار المتاخمة للدار، كدار (٣) عمرو بن حزم وغيرها، وحاجفَ الناس عن عثمان أشدَّ المحاجفة، واقتتلوا على الباب قتالًا شديدًا، وتبارزوا وتراجزوا بالشعر في مبارزتهم، وجعل أبو هريرة (يقول): هذا يوم طاب في الضراب فيه. وقُتل طائفة من أهل الدار وآخرون من أولئك الفجار، وجُرح عبد اللّه بن الزبير جراحات كثيرة، وكذلك جرح الحسن بن علي ومروانُ بن الحكم فقطع إحدى علباويه (٤) فعاش أو قص (٥) حتى مات. (ومن أعيان من قتل من أصحاب عثمان، زياد بن نعيم الفهري)، والمغيرة بن الأخنس بن شريق، ونيار بن عبد اللّه الأسلمي، في أناس وقت المعركة، ويقال إنه انهزم أصحابُ عثمان ثم رجعوا (٦). ولما رأى عثمان ذلك عزم على الناس لينصرفوا إلى بيوتهم، فانصرفوا كما تقدم، فلم يبق عنده أحد سوى أهله، فدخلوا عليه من الباب، ومن الجدران، وفزع عثمان إلى الصلاة وافتتح سورة طه، وكان سريع القراءة -فقرأها والناس في غلبة عظيمة، قد احترق الباب والسقيفة (التي) عنده، وخافوا أن يصل (٧) الحريق إلى بيت المال، ثمَّ فرغ عثمان من صلاته وجلس وبين يديه المصحف، وجعل يتلو هذه الآية: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: ١٧٣] فكان أول من


(١) في أ: الحج.
(٢) المحاجف: المقاتل. القاموس واللسان (حجف).
(٣) في أ: الدور المتلاحمة كدار عمرو.
(٤) علباويه -العِلْباء ممدود: عَصَب العنق وهما علباوان يمينًا وشمالًا بينهما منبت العنق، وإن شئت قلت علباءان. اللسان (علب).
(٥) أوقص: قصير العنق. القاموس (وقص).
(٦) في أ: ثم تراجعوا.
(٧) في أ: أن يميل.