للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال في سورة القمر: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (٣٣) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (٣٤) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (٣٥) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٧) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٩) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر: ٣٣ - ٤٠].

وقد تكلَّمنا على هذه القصص في أماكنها من هذه السور في التفسير.

وقد ذكرَ اللّه لوطًا وقومَه في مواضع أُخرَ من القرآن، تقدَّمَ ذِكرها مع قوم نوح وعادٍ وثمود، والمقصودُ الآن إيرادُ ما كانَ من أمرهم، وما أحلَّ اللّه بهم مجموعًا من الآيات والآثار، وباللّه المستعان.

وذلك أنَّ لوطًا لما دعاهم إلى عبادة اللّه وحدَه لا شريكَ له، ونهاهم عن تعاطي ما ذكرَ اللّه عنهم من الفواحش، فلم يستجيبوا له ولم يؤمنوا به، حتى ولا رجل واحد منهم، ولم يتركُوا ما عنه نهُوا، بل استمرُّوا على حالهم، ولم يرعووا (١) عن غيِّهم وضَلالهم وهمُّوا بإخراج رسولهم من بين ظَهْرَانيهم، وما كانَ حاصلُ جوابهم عن خطابهم إذ كانوا لا يعقلون إلا أن قالوا: ﴿أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [النمل: ٥٦] فجعلوا غاية المدح ذمًّا يقتضي الإخراج، وما حملَهم على مقالتهم هذه إلا العناد واللجاج.

فطهَّره اللّه وأهلَه إلا امرأته، وأخرجهم منها أحسنَ إخراج، وتركَهم في محلَّتهم خالدين، لكنْ بعدما صيَّرها عليهم بحرةً منتنةً ذات أمواج، لكنَّها عليهم في الحقيقة نار تأجَّج، وحرٌّ يتوهَّجُ، وماؤها مِلْحٌ أجال.

وما كان هذا جوابُهم إلا لما نهاهم عن الطَّامَّةِ العظمى والفاحشة الكبرى، التي لم يسبقْهم إليها أحدٌ من أهل الدنيا، ولهذا صاروا مُثْلةً فيها، وعبرةً لمن عليها.

وكانوا مع ذلك يقطعون الطريقَ، ويخونونَ الرفيقَ، ويأتون في ناديهم - وهو مجتمعهم ومحلّ حديثهم وسمرهم - المنكرَ من الأقوال والأفعال على اختلاف أصنافه، حتى قيل: إنهم كانوا يتضارطُون في مجالسِهم ولا يستحيُونَ من مُجالسيهم، وربما وقعَ منهم الفعْلةُ العظيمةُ في المحافل، ولا يستنكفون، ولا يرعوون لوعظ واعظ ولا نميمة من ناقل (٢)، وكانوا في ذلك وغيره كالأنعام بل أضلُّ سبيلًا، ولم يُقلعوا عما كانوا عليه في الحاضر، ولا ندموا على ما سلفَ من الماضي، ولارامُوا في المستقبل تحويلًا، فأخذَهم اللّه أخذًا وبيلًا، وقالوا له فيما قالوا: ﴿ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [العنكبوت: ٢٩]، فطلبوا منهْ وقوعَ ما حذَّرهم من العذاب الأليم، وحلول البأس العظيم، فعند ذلك


(١) كذا في أ و ب. وفي المطبوع: ولم يرتدعوا.
(٢) كذا في أ و ب وفي المطبوع: ولا نصيحة من عاقل. ولعلها الأصوب.