للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دعا عليهم نبيُّهم الكريم، فسألَ من ربِّ العالمين وإله المرسلين، أن ينصرَه على القوم المفسدين، فغارَ لغَيْرتِه وغضب لغَضْبَتهِ، واستجابَ لدعوتِه، وأجابه إلى طُلْبَتهِ، وبعثَ رسلَه الكرام وملائكتَه العظام، فمرُّوا على الخليل إبراهيم، وبشَّرُوه بالغلام العليم، وأخبرُوه بما جاؤوا له من الأمر الجَسيم والخَطْب العَميم. ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٣١) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٣٢) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ﴾ [الذاريات: ٣١ - ٣٤].

وقال: ﴿وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ﴾ (٣١) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٣١، ٣٢].

وقال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ﴾ [هود: ٧٤]. وذلك أنه كان يرجو أن يُنيبوا ويُسلموا، ويُقلعوا ويرجعوا، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (٧٥) يَاإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾ [هود: ٧٥، ٧٦] أي: أعرضْ عن هذا وتكلَّمْ في غيره، فإنه قد حتمَ أمرُهم، ووجبَ عذابُهم وتدميرُهم وهلاكُهم ﴿إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ [هود: ٧٦] أي: قد أَمر به من لا يُردُّ أمرُه، ولا يُردُّ بأسه، ولا مُعَقِّبَ لحكمِه ﴿وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾ [هود: ٧٦].

وذكر سعيدُ بن جُبير، والسُّدِّي وقتادة ومحمد بن إسحاق: أن إبراهيمَ جعلَ يقول: "أتُهلكون قريةً فيها ثلاثمئة مؤمن؟ قالوا: لا. قال: فمئتا مؤمن؟ قالوا: لا. قال: فأربعون مؤمنًا؟ قالوا: لا. قال: فأربعة عشرَ مؤمنًا؟ قالوا: لا، قال ابن إسحاق إلى أن قال "أفرأيتم إن كان فيها مؤمن واحد؟ قالوا: لا. ﴿قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا﴾ [العنكبوت: ٣٢] الآية (١) ".

وعند أهل الكتاب أنه قال: يا ربِّ أتُهلكهم وفيهم خمسون رجلًا صالحًا؟ فقال الله: لا أُهلكهم وفيهم خمسونَ صالحًا. ثم تنازلَ إلى عشرة فقال الله: لا أهلكهم وفيهم عشرة صالحون.

قال اللّه تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾ [هود: ٧٧] قال المفسرون: لما فصلتِ الملائكةُ من عند إبراهيم: جبريل وميكائيل وإسرافيل، أقبلوا حتى أتوا أرض سدُوم في صُور شبَّان حِسَان، اختبارًا من اللّه تعالى لقوم لوط، وإقامةً للحجَّة عليهم، فاستضافوا لوطًا وذلك عند غروب الشمس، فخشيَ إنْ لم يُضْفهم يُضَيِّفهم غيرُه، وحسبَهم بشرًا من النَّاس ﴿سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾ [هود: ٧٧]. قال ابن عبَّاس (٢) ومجاهد وقتادة ومحمد بن إسحاق: شديدٌ بلاؤُه. وذلك لما يعلم من مدافعته الليلة عنهم، كما كان يصنعُ بهم في


(١) أخرجه ابن جرير الطبري في التاريخ (١/ ٢٩٧).
(٢) انظر تفسير الطبري (٧/ ٨٠ - ٨١).