للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله الحميد المجيد - مجيبينَ لنبيِّهما فيما أمرَهم به من الأمر السديد ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ﴾ [هود: ٧٩] يقولون - عليهم لعائن الله - لقد علمتَ يا لوط إنه لا أربَ لنا في نسائنا، وإنك لتعلَمُ مُرادنا وغَرضنا. واجهوا بهذا الكلام القبيح رسولَهم الكريم، ولم يخافوا سَطْوةَ العظيم، ذي العذاب الأليم، ولهذا قال : ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: ٨٠] ودَّ أن لو كان له بهم قوَّة، أو منعة وعشيرة ينصرونه عليهم، ليحل بهم ما يستحفونه من العذاب على هذا الخطاب.

وقد قال الزُّهري: عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة: عن أبي هريرة مرفوعًا: "نحنُ أحقُّ بالشكُ من إبراهيم، ويرحمُ اللّه لوطًا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لَبِثتُ في السجن ما لبثَ يوسف لأجبتُ الداعي" (١) ورواه أبو الزِّناد: عن الأعرج، عن أبي هريرة.

وقال محمد بن عمرو بن علقمة: عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أنَّ رسولَ اللّه قال: "رحمةُ الله على لوط، لقد كان يأوي إلى ركن شديد - يعني اللّه ﷿ فما بعثَ الله بعدَه من نبيٍّ إلا في ثروة من قومه" (٢).

وقال تعالى: ﴿وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (٦٧) قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (٦٨) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (٦٩) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (٧٠) قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ [الحجر: ٦٧ - ٧١] فأمرهم بقُربان نسائِهم وحذَّرهم الاستمرار على طريقتهم وسيِّآتهم، هذا وهم في ذلك لا ينتهون ولا يرعوون، بل كلَّما نصحَ لهم يُبالغون في تحصيل هؤلاء الضِّيفان ويُحرِّضون، ولم يعلموا ما حُمَّ به القَدَرُ مما هم إليه صائرون، وصبيحةَ ليلتهم إليه مُنقلبون، ولهذا قال تعالى مقسمًا بحياة نبيِّه محمد صلوات اللّه وسلامه عليه: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الحجر: ٧٢].

وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٧) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ﴾ [القمر: ٣٦ - ٣٨] ذكرَ المفسرون (٣) وغيرُهم: أن نبيَّ اللّه لوطًا جعلَ يُمانعُ قومَه الدخولَ، ويُدافعُهم، والبابُ مغلقٌ، وهم يرومون فتحَه وولوجَه، وهو يعظُهم وينهاهُم من وراء الباب، وكل ما لهم في إلحاح وإنفاج (٤)، فلما ضاقَ الأمرُ وعَسُرَ الحالُ، قال: ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: ٨٠]، لأحللتُ بكم النَّكال.

قالت الملائكة: (﴿يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ﴾ [هود: ٨١] وذكروا أن جبريلَ خرجَ


(١) أخرجه البخاري (٣٣٧٢) في الأنبياء.
(٢) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (٦٠٥) والترمذي (٣١١٦) في التفسير، والحاكم في المستدرك (٢/ ٥٦١).
(٣) انظر تفسير الطبري (٧/ ٨٥ - ٨٦).
(٤) إنفاج: تعاظم وتكبُّر.