للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليهم فضربَ وجوهَهم خفقةً بطرف جناحِه، فطمست أعينَهم، حتى قيل: إنها غارت بالكلية، ولم يبق لها محلٌّ ولا عينٌ ولا أثر، فرجعوا يتحسَّسون مع الحيطان، ويتوعَّدون رسولَ الرحمن، ويقولون: إذا كان الغدُ كان لنا وله شأنٌ، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٧) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ﴾ [القمر: ٣٧، ٣٨] فذلك أن الملائكة تقدَّمت إلى لوط ، آمرينَ له بأن يسري هو وأهله من آخر الليل ﴿وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ﴾ [هود: ٨١] يعني عند سمِاع صوت العذاب إذا حلَّ بقومه، وأمروه أن يكونَ سيرُه في آخرهم كالساقة لهم. وقوله: ﴿إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾ على قراءة النصب يحتمل أن يكون مستثنى من قوله: ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ﴾ كأنه يقول: إلَأ امرأتك فلا تسرِ بها، ويحتمل أن يكونَ من قوله: ﴿وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾ أي: فإنها ستلتفت فيُصيبها ما أصابَهم، ويُقوِّي هذا الاحتمال قراءة الرفع، ولكن الأول أظهر في المعنى، واللّه أعلم.

قال السهيلي (١): واسم امرأة لوط "والهة" واسم امرأة نوح "والغة".

وقالوا له مبشرين بهلاك هؤلاء البغاة العتاة الملعونين النظراء والأشباه، الذين جعلَهم اللّه سلفًا لكلِّ خائن مُريب: ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ [هود: ٨١] فلما خرجَ لوطٌ بأهله وهم ابنتاه، ولم يتبعْه منهم رجلٌ واحد، ويُقال: إن امرأتَه خرجتْ معه، فالله أعلم. فلما خَلَصوا من بلادهم وطلعتِ الشَّمْسُ، فكان عند شروقها جاءَهم من أمر الله ما لا يُردُّ، ومن البأس الشديد ما لا يمكن أن يُصدَّ.

وعند أهل الكتاب: أن الملائكة أمروه أن يصعدَ إلى رأس الجبل الذي هناك، فاستبعده، وسأل منهم أن يذهبَ إلى قرية قريبة منهم. فقالوا: اذهب فإنا ننتظرُك حتى تصيرَ إليها وتستقرَّ فيها، ثم نُحلّ بهم العذابَ، فذكروا أنه ذهبَ إلى قرية "صغر" التي يقول النَّاس "غور زغر" فلما أشرقتِ الشَّمْسُ نزلَ بهم العذاب، قال اللّه تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: ٨٢، ٨٣].

قالوا: اقتلعَهنَّ جبريلُ بطرف جناحِه منْ قَرارهنَّ، وكنَّ سبعَ مُدُنٍ بمن فيهنَّ من الأمم، فقالوا: إنَّهم كانوا أربعمئة نسمة. وقيل: أربعة آلاف نسمة، وما معهم من الحيوانات، وما يتبعُ تلك المدن من الأراضي والأماكن والمعتملات، فرفعَ الجميعَ حتى بلغَ بهنَّ عنانَ السماء، حتى سمعتِ الملائكةُ أصواتَ ديكتهم ونُباح كلابهم، ثم قلبَها عليهم، فجعل عاليها سافلَها. قال مجاهد: فكان أوَّل ما سقط منها شرفاتها ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ﴾ [هود: ٨٢] والسِّجِّيل (٢): فارسي مُعرَّب، وهو الشديد


(١) التعريف والإعلام؛ للسهيلي (ص ٥٣).
(٢) سقطت من أ.