للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصُّلْبُ القويُّ ﴿مَنْضُودٍ﴾ أي يتبعُ بعضُها بعضًا في نزولها عليهم من السماء ﴿مُسَوَّمَةً﴾ أي: معلمة، مكتوب على كل حجر اسم صاحبه الذي يهبط عليه فيدمغه كما قال: ﴿مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ﴾ وكما قال تعالى: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ﴾ [الشعراء: ١٧٣] وقال تعالى: ﴿وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (٥٣) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى﴾ [النجم: ٥٣، ٥٤]، يعني قلبَها فأهوى بها منكَّسة عاليها سافلها، وغشَّاها بمطر من حجارة من سجيل متتابعة مرقومة، على كل حجر اسم صاحبه الذي سقطَ عليه، من الحاضرين منهم في بلدهم والغائبين عنها من المسافرين والنازحين والشاذِّين منها. ويقال: إن امرأةَ لوطٍ مكثتْ مع قومها، ويُقال: إنها خرجتْ مع زوجها وبنتيها، ولكنَّها لما سمعت الصَّيْحة وسقوطَ البلدة التفتتْ إلى قومها، وخالفتْ أمرَ ربِّها قديمًا وحديثًا، وقالت: واقوماه! فسقطَ عليها حجرٌ فدمغَها (١)، وألحقَها بقومها إذ كانت على دينهم، وكانت عَيْنًا لهم على منْ يكونُ عند لوطٍ من الضِّيفان، كما قال تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ [التحريم: ١٠] أي: خانتاهما في الدين، فلم يتَّبعاهُما فيه. وليس المرادُ أنهما كانتا على فاحشةٍ، حاشا وكلا ولمَّا، فإنَّ الله لا يُقدِّرُ على نبيٍّ أن تبغيَ امرأتُهُ، كما قال ابن عبَّاس وغيره من أئمة السلف والخلف: ما بغت امرأةُ نبيٍّ قط. ومنْ قال خلافَ هذا فقد أخطأ خطأً كبيرًا. قال اللّه تعالى في قصة الإفك، لما أنزل براءة أمِّ المؤمنين عائشة بنت الصِّدِّيق زوج رسول اللّه حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فعاتبَ اللّه المؤمنين وأَنَّبَ وزجرَ ووعظَ وحذَّر، وقال فيما قال: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (١٥) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١٥، ١٦] أي: سبحانَكَ أن تكون زوجة نبيِّك بهذه المثابة. وقوله هاهنا ﴿وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: ٨٣] أي: وما هذه العقوبة ببعيدة ممن أشبههم في فعلهم.

ولهذا ذهبَ منْ ذهبَ من العلماء إلى أن اللائط يُرجمُ سواءٌ كان مُحْصنًا أو لا، نصَّ عليه الشافعيُّ وأحمد بن حنبل، وطائفةٌ كثيرة من الأئمة، واحتجُّوا أيضًا بما رواه الإمام أحمد وأهلُ السُّننَ: من حديث عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس: أن رسول اللّه قال: "منْ وجدتُموه يعملُ عملَ قومِ لوط فاقتلوا الفاعلَ والمفعولَ به" (٢) وذهبَ أبو حنيفة إلى أن اللائطَ يُلقى من شاهق جبل ويُتْبعُ بالحجارة، كما فُعِلَ بقوم لوط، لقوله تعالى: ﴿وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: ٨٣].

وجعلَ اللّه مكانَ تلك البلاد بحرةً منتنةً، لا يُنتفع بمائِها، ولا بما حولَها من الأراضي المتاخمة


(١) تاريخ الطبري (١/ ٣٠١) وفيه: فأدركها حجرٌ فقتلها.
(٢) رواه أحمد في المسند (١/ ٣٠٠) وأبو داود (٤٤٦٢) في الحدود، والترمذي (١٤٥٦) في الحدود، وابن ماجة (٢٥٦١) في الحدود وهو حديث صحيح بشواهده.