للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن مَوْلاةٍ لعمّار قالت: "اشتكى عمار شكوى أرق منها فغُشي عليه، فأفاق ونحنُ نبكي حوله، فقال: ما تبكون؟ أتخشون أن أموت على فراشي؟ أخبرني حبيبي أنه تقتلني الفئة الباغية، وأن آخر أدمي من الدنيا مذقة من لبن".

وقال أحمد (١): حدَّثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: أمرنا رسول الله ببناء المسجد فجعلنا ننقل لبنة لبنة، وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين، فتترب رأسه قال: فحدثني أصحابي ولم أسمعه من رسول الله أنه جعل ينفض رأسه ويقول: "ويحك يابن سمية تقتلك الفئة الباغية". تفرد به أحمد، وما زاده الروافض (٢) في هذا الحديث بعد قوله "الباغية": لا أنالها والله شفاعتي يوم القيامة، فهو كذب وبهت على رسول الله فإنه قد ثبتت الأحاديث عنه صلوات الله عليه وسلامه بتسمية الفريقين مسلمين، كما سنورده قريبًا إن شاء الله.

قال ابن جرير (٣) وقد ذكر أن عمارًا لما قُتل قال علي لربيعة وهمدان: أنتم درعي ورمحي، فانتدب له نحو من اثني عشر ألفًا، وتقدمهم علي ببغلته فحمل وحملوا معه حملة رجل واحد، فلم يبق لأهل الشام صف إلا انتقض وقتلوا كل من انتهوا إليه حتى بلغوا معاوية وعلي يقاتل ويقول (٤): [من الرجز]

أَضْرِبُهم ولا أرى مُعاويهْ … الجاحظَ العَيْنِ عَظيم الحاويهْ

قال: ثم دعى عليٌّ معاوية إلى أن يبارزه فأشار عليه عمرو بن العاص [أن يبرز إليه] فقال له معاوية: إنك لتعلم أنه لم يبارزه رجل (قط) إلا قتله، ولكنك طمعت فيها بعدي، ثم قدم علي ابنه محمدًا في عصابة كثيرة (من الناس)، فقاتلوه قتالًا شديدًا ثم تبعه علي في عصابة أخرى، فحمل بهم فقُتِلَ في هذا الموطن خلقٌ كثير من الفريقين (لا يعلمهم إلا الله) وقتل من العراقيين خلق كثير أيضًا، وطارت أكفٌّ ومعاصمُ ورؤوسٌ عن كواهلها، . ثم حانت صلاة المغرب فما صلَّى بالناس إلَّا إيماءً صلاتي العشاءَ واستمرّ القتال في هذه الليلة كلها وهي من أعظم الليالي شرًا بين المسلمين، وتسمى (هذه الليلة) ليلة الهرير، وكانت ليلة الجمعة تقصفت [فيها] الرماح ونفدت النبال، وصار الناس إلى السيوف، وعليٌّ يحرّضُ القبائل، ويتقدَّم إليهم يأمر بالصَّبْر والثبات (٥) وهو أمام الناس في قلب الجيش، وعلى الميمنة الأشتر [النخعي]، تولاها بعد قتل (٦) عبد الله بن بُدَيْل عشية الخميس ليلة الجمعة - وعلى الميسرة ابن عباس، والناس يقتتلون من كل جانب [وذلك لما قتل عمار عرف أهل العراق


(١) مسند الإمام أحمد (٣/ ٥) وهو حديث صحيح.
(٢) في أ: وما رواه بعض الرواة في هذا الحديث، وهو قوله: لا أنا لها الله.
(٣) تاريخ الطبري (٥/ ٤١).
(٤) الأبيات في الطبري (٥/ ٤٢) وهو مع ثلاثة أشطر أخرى في هامشه منسوبًا للأشتر عن كتاب صفين (٤٥٤).
(٥) في أ: ويتقدم إليهم بالأمر بالثبات والصبر.
(٦) في أ: مقتل.