للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يدعونكم إلى ما فيها، وقد والله تركوا ما أمر الله به فيها، وسنة من أنزل عليه [القرآن] (١)، فلا تجيبوهم، (أمهلوني) فإني قد أحسست بالفتح، قالوا: لا! قال: أمهلوني عدوَ الفَرَسِ فإني قد طمعت في النصر، قالوا إذًا ندخل معك في خطيئتك، ثم أخذ الأشتر يناظر أولئك القراء الداعين إلى إجابة أهل الشام بما حاصله: إن كان أول قتالكم هؤلاء حقًا فاستمروا عليه، وإن كان باطلًا فاشهدوا لقتلاكم بالنار، فقالوا: دعنا منك فإنا لا نطيعك ولا صاحبك أبدًا، ونحن قاتلنا هؤلاء في الله، وتركنا قتالهم لله، فقال لهم الأشتر: خُدعتم والله فانخدعتم، ودُعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم، يا أصحاب السوء كنا نظن صلاتكم زهادة في الدنيا وشوقًا إلى لقاء الله، فلا أرى فراركم إلا إلى الدنيا من الموت، يا أشباه النيب الجَلالة ما أنتم بربانيين بعدها. فابعدوا كما بعد القوم الظالمون. فسبّوه وسبَّهم فضربوا وجه دابته بسياطهم، وجرت بينهم أمور طويلة، ورغب أكثر الناس من العراقيين وأهل الشام بكمالهم إلى المصالحة والمسالمة مدة لعله يتفق أمر يكون فيه حقن لدماء المسلمين، فإن الناس تفانوا في هذه المدة، ولا سيما في هذه الثلاثة أيام المتأخرة التي آخر أمرها ليلة الجمعة وهي ليلة الهرير. كل من الجيشين فيه من الشجاعة والصبر ما ليس يوجد في الدنيا مثله، ولهذا (٢) لم يفرَّ أحدٌ عن أحد، بل صبروا حتى قتل من الفريقين فيما ذكره غير واحد سبعون ألفًا: خمسة وأربعون ألفًا من أهل الشام، وخمسة وعشرون ألفًا من أهل العراق.

قاله غير واحد منهم [محمد] بن سيرين وسيف وغيره. وزاد أبو الحسن بن البراء - وكان في أهل العراق - خمسة وعشرون بدريًا، قال: وكان بينهم في هذه المدة تسعون زحفًا واختلفوا (٣) في مدة المقام بصفين، فقال سيف: سبعة أشهر أو تسعة أشهر. وقال أبو الحسن بن البراء مئة [يوم] وعشرة أيام.

قلت: ومقتضى كلام أبي مخنف أنه كان من مستهلّ ذي الحجة في يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من صفر وذلك سبعة وسبعون يومًا، فالله سبحانه أعلم.

وقال الزُّهري: بلغني أنه كان يدفن في القبر الواحد خمسون نفسًا. هذا كله ملخص من كلام ابن جرير وابن الجوزي في المنتظم (٤).

وقد روى البيهقي (٥): من طريق يعقوب بن سفيان، عن أبي اليمان، عن صفوان بن عمرو: كان أهل الشام ستين ألفًا فقتل منهم عثرون ألفًا، وكان أهل العراق مئة وعشرين ألفًا فقتل منهم أربعون ألفًا.


(١) في أ: وسنة من أنزلت عليه.
(٢) في أ: التي كان آخرها ليلة الجمعة وهي ليلة الهزيز، وقد صبر كل من الجيشين للآخر صبرًا لم ير مثله لما كان فيهم من الشجعان والأبطال مما ليس يوجد مثلهم في الدنيا ولهذا ..
(٣) في ط: واختلفا.
(٤) المنتظم لابن الجوزي (٥/ ١١٧ - ١٢٣) طبعة دار الكتب العلمية - بيروت -.
(٥) دلائل النبوة للبيهقي (٦/ ٤١٩).