للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عيسى بن داب قال: لما انصرف عليٌّ من النهروان قام في الناس خطيبًا فقال: بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول اللّه : أما بعد فإن الله قد أعزَّ نصركم فتوجّهوا من فوركم هذا إلى عدوّكم من أهل الشام. فقاموا إليه فقالوا: يا أمير المؤمنين نفِدتْ نبالنا وكلَّتْ سيوفُنا ونصلت أسنتنا، فانصرف بنا إلى مصرنا حتى نستعدَّ بأحسن عدتنا، ولعل أمير المؤمنين يزيد في عدتنا عدة من فارقنا وهلك منا فإنه أقوى لنا على عدونا - وكان الذي تكلَّم بهذا الأشعث بن قيس الكندي، فتابعهم (١) وأقبل بالناس حتى نزل بالنخيلة وأمرهم أن يلزموا معسكرهم ويوطنوا أنفسهم على جهاد عدوهم ويُقلوا زيارةَ نسائهم وأبنائهم، فأقاموا معه أيامًا متمسكين (٢) برأيه وقوله، ثم تسلَّلوا حتى لم يبق منهم أحد إِلَّا رؤوس (٣) أصحابه، فقام عليٌّ فيهم خطيبًا فقال: الحمد للّه فاطر الخلق، وفالق الإصباح، وناشر الموتى، وباعث من في القبور، وأشهد أن لا إله إِلَّا اللّه وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وأوصيكم بتقوى الله فإنَّ أفضل ما توسل به العبدُ الإيمانُ والجهادُ في سبيله وكلمة الإخلاص فإنها الفطرة، وإقام الصلاة فإنها الملة، وإيتاء الزكاة فإنها من فرائض الله (٤)، وصوم شهر رمضان فإنه جُنة من عذابه (٥)، وحج البيت فإنه منفاة للفقر مدحضة للذنب، وصلة الرحم فإنها مثراة في المال، منسأة في الأجل، محبة في الأهل، وصدقة السرّ فإنها تكفر الخطيئةَ وتُطفئُ غضبَ الربّ، وصنع المعروف فإنه يدفع ميتةَ السّوء ويقي مصارع الهول، أفيضوا في ذكر اللّه فإنه أحسن الذكر، وارغبوا فيما وُعدَ المتقون فإن وعد اللّه أصدقُ الوعد، واقتدوا بهدى نبيكم فإنه أفضل الهدى، واستنُوا بِسنَّته فإنها أفضل السنن، وتعلَّموا كتابَ الله فإنه أفضل الحديث، وتفقهوا في الدين فإنه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره فإنه شفاءٌ لما في الصدور، وأحسنوا تلاوته فإنه أحسن القصص، وإذا قرئ عليكم فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم تُرْحَمون، وإذا هُديتم لعلمه فاعملوا بما علمتم به لعلكم تهتدون، فإن (العالم) العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستقيم عن جهله (٦)، بل قد رأيت أن الحجة أعظم، والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه على هذا الجاهل المتحيّر في جهله، وكلاهما مضلل مثبور، لا ترتابوا فتشكوا، ولا تشكوا فتكفروا (٧)، ولا ترخصوا لأنفسكم فتذهلوا، ولا تذهلوا (٨) في الحق فتخسروا، ألا وإن من الحزم أن تثقوا، ومن الثقة أن لا تغتروا، وإنَّ أنصحكم لنفسه أطوعكم لربه وإنَّ أغشَّكم لنفسه أعصاكم لربّه، من يطع الله يأمنْ


(١) في ط: فبايعهم؛ تحريف.
(٢) في أ: مستمسكون؛ خطأ.
(٣) في ط: راسل، تحريف.
(٤) في ط: فريضته.
(٥) في أ: من عذاب اللّه.
(٦) في أ: فإن العامل بغير علم كالجاهل الحاير الذي لا يستقيم من جهله.
(٧) في أ: وكلاهما حائر مضلل مبتور لا يرتاب فتشك ولا لك فتكفر.
(٨) في أ: ولا تدهنون.