للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومعاوية بن خديج فرحا به وردَّا جوابه بالاستبشار والمعاونة والمناصرة له ولمن يبعثه من الجيوش والجند والمدد إن شاء اللّه تعالى، فعند ذلك جهز معاوية عمرو بن العاص في ستة آلاف، وخرج معاوية (١) مودعًا وأوصاه بتقوى اللّه والرفق والمهل (والتؤدة)، وأن يقتل من قاتل ويعفو عمن أدبر، وأن يدعو الناس إلى الصلح والجماعة، فإذا أنت ظهرت فليكن أنصارك آثر (٢) الناس عندك، فسار عمرو بن العاص إلى مصر، فلما قدمها (٣) اجتمعت عليه العثمانية فقادهم، وكتب عمرو إلى محمد بن أبي بكر: أما بعد فتنح فإني لا أحب أن يصيبك مني ظفر، فإن الناس قد اجتمعوا بهذه البلاد على خلافك ورفض أمرك، وندموا على اتباعك، فهم مسلموك لو قد التقت حلقتا البطان (٤)، فاخرج منها فإني لك لمن الناصحين والسلام. وبعث إليه عمرو أيضًا بكتاب معاوية إليه: أما بعد (٥) فإن غب البغي والظلم عظيم الوبال، وإن سفك الدم الحرام لا يسلم صاحبه (٦) من النقمة في الدنيا، والتبعة الموبقة في الآخرة. وإنّا لا نعلمُ أحدًا كان أشدَّ خلافًا على عثمان منك حين تطعن بمشاقصك بين حشاشته وأوداجه (٧)، ثم إنك تظن أني عنك نائم أو ناس ذلك لك (٨)، حتى تأتي فتأمَّر على بلاد أنت بها جاري وجلُّ أهلها أنصاري، وقد بعثت إليك بجيوش يتقربون إلى الله بجهادك ولن يسلمك الله من القصاص أينما كنت والسلام. قال: فطوى محمد بن أبي بكر الكتابين وبعث بهما إلى علي وأعلمه بقدوم عمرو إلى مصر في جيش من قبل معاوية، فإن كانت لك بأرض مصر حاجة فابعث إلي بأموال ورجال والسلام. فكتب إليه [علي] يأمره بالصبر وبمجاهدة العدو، وأنه سيبعث إليه الرجال والأموال، ويمده بما أمكنه من الجيوش.

وكتب محمد بن أبي بكر كتابًا (إلى معاوية في جواب ما قال) وفيه غلظة (٩)، (وكذلك كتب إلى عمرو بن العاص وفيه كلام غليظ) وقام محمد بن أبي بكر في الناس فخطبهم وحثَّهم على الجهاد ومناجزة من قصدهم من أهل الشام، وتقدم عمرو (بن العاص) إلى مصر في جيوشه، ومن لحق به من العثمانية (المصريين)، والجميع في قريب من ستة عشر ألفًا، وركب محمد بن أبي بكر في [قريب من] ألفي


(١) في أ: وخرج معه مودعًا.
(٢) في أ: أبر.
(٣) في أ: فلما دخل مصر اجتمعت عليه.
(٤) مثل عربي قديم، ورد في كتاب معجم الأمثال العربية (بطن، حلق، لقي) ومصادره فيه: مجمع الأمثال (٢/ ١٨٦) وجمهرة الأمثال (١/ ١٨٨) والمستقصى (١/ ٣٠٦) وأبو عبيد (٣٤٣) واللسان (بطن) ويضرب المثل للأمر يبلغ الغاية في الشدة والصعوبة.
(٥) لفظتا: أما بعد؛ مكانهما بياض في أ، ونص الكتاب في تاريخ الطبري (٥/ ١٠١).
(٦) في أ: فاعله.
(٧) في أ: وأرواحه، تحريف.
(٨) في أ: أو لفعلك ناس حتى تأتي فتتآمر.
(٩) في أ: وفيه كلام غليظ.