للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فارس الذين انتدبوا معه من المصريين وقدَّم على جيشه بين يديه (١) كنانة بن بشر فجعل لا يلقاه أحد (٢) من الشاميين إِلَّا قاتلهم حتى يلحقهم مغلوبين إلى عمرو (٣) بن العاص، فبعث عمرو بن العاص إليه معاوية بن حُدَيْج فجاءه من ورائه وأقبل إليه الشاميون حتى أحاطوا به من كل جانب، فترجل عند ذلك كنانة وهو يتلو ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا﴾ الآية [آل عمران: ١٤٥]، ثم قاتل حتى قتل.

وتفرق أصحاب محمد بن أبي بكر عنه ورجع يمشي فرأى خربة فأوى إليها ودخل عمرو بن العاص فسطاط مصر وذهب معاوية بن حُدَيْج في طلب محمد بن أبي بكر فمر بعلوج في الطريق فقال لهم: هل مر بكم أحد تستنكرونه؟ قالوا: لا! فقال رجل منهم: إني رأيت رجلًا جالسًا في هذه الخربة، فقال: (هو) هو ورب الكعبة: فدخلوا عليه فاستخرجوه منها - وقد كاد يموت عطشًا - فانطلق أخوه عبد الرحمن بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص - وكان قد قدم معه إلى مصر - فقال: أيقتل أخي صبرًا؟ فبعث عمرو بن العاص إلى معاوية بن حُدَيْج أن يأتيه بمحمد بن أبي بكر ولا يقتله، فقال معاوية: كلا والله، أيقتلون كنانة بن بشر وأترك محمد بن أبي بكر، وقد كان ممن قتل عثمان وقد سألهم عثمان الماء، وقد سألهم (٤) محمد بن أبي بكر أن يسقوه شربة من الماء فقال معاوية: لا سقاني الله إن سقيتك قطرة من الماء أبدًا، إنكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتى قتلتموه صائمًا محرمًا فتلقاه الله بالرحيق المختوم.

وقد ذكر ابن جرير (٥) وغيره أن محمد (بن أبي بكر) نال من معاوية بن حُدَيْج هذا [وشتمه] ومن عمرو بن العاص ومن معاوية [بن أبي سفيان] ومن عثمان (بن عفان أيضًا)، فعند ذلك غضب معاوية بن حُدَيْج فقدمه فقتله ثم جعله في جيفة حمار فأحرقه بالنار، فلما بلغ ذلك عائشة جزعت عليه جزعًا شديدًا وضمت عياله إليها، وكان فيهم ابنه القاسم وجعلت تدعو على معاوية وعمرو بن العاص دبر الصلاة (٦).

وذكر الواقديّ (٧) أن عمرو (بن العاص) قدم مصر في أربعة آلاف فيهم أبو الأعور السلمي فالتقوا مع المصريين بالمُسَنَّاة (٨) فاقتتلوا قتالًا شديدًا حتى قتل كنانة بن بشر بن عتاب التجيبي، فهرب عند ذلك محمد بن أبي بكر فاختبأ عند رجل يقال له جبلة بن مسروق، فدلّ عليه فجاء معاوية بن خديج وأصحابه فأحاطوا به فخرج إليهم (محمد) بن أبي بكر فقاتل حتى قُتل.


(١) في أ: من أهل مصر وقدم بين يدي جيشه.
(٢) في أ: فجعل لا يلقى أحدًا.
(٣) في أ: بعمرو.
(٤) في أ: عثمان الماء فلم يسقوا وسألهم.
(٥) تاريخ الطبري (٥/ ١٠٤).
(٦) في ط: "الصلوات"، وما هنا من أ، وهو الذي في تاريخ الطبري الذي ينقل منه المصنف (٥/ ١٠٥).
(٧) تاريخ الطبري (٥/ ١٠٥).
(٨) انظر معجم ما استعجم (١٢٢٩) ومعجم البلدان (٥/ ١٢٩).