للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حجرًا فوضعَه تحت رأسِه ونام، فرأى في نومه ذلك مِعْراجًا (١) منصوبًا من السماء إلى الأرض، وإذا الملائكةُ يصعدون فيه وينزلون، والربُّ يخاطبُه، ويقولُ له: إني سأُباركُ عليك وأكثِر ذريِّتك، وأجعلُ لك هذه الأرض ولعقبك من بعدك.

فلما هبَّ من نومه فرحَ بما رأى، ونذرَ للّه لَئن رجعَ إلى أهله سالمًا ليبنينَّ في هذا الموضع معبدًا للّه ﷿، وأن جميع ما يُرزقه من شيء يكونُ للّه عشره، ثم عمدَ إلى ذلك الحجر فجعلَ عليه دُهنًا يتعرَّفه به، وسمَّى ذلك الموضعَ "بيت إيل" أي: بيت اللّه، وهو موضع بيت المقدس اليوم، الذي بناه يعقوبُ بعد ذلك كما سيأتي.

قالوا: فلما قدمَ يعقوبُ على خاله أرضَ حرَّان إذا له ابنتان، اسم الكبرى "ليا" واسم الصغرى "راحيل" [فخطب إليه راحيل] (٢)، وكانت أحسنهما وأجملهما، فأجابه إلى ذلك بشرط أنْ يرعى على غنمه سبع سنين، فلما مضت المدة على خاله "لابان" صنعَ طعامًا وجمعَ النَّاس عليه، وزفَّ إليه ليلًا ابنته الكبرى "ليا" وكانت ضعيفةَ العينين قبيحة المنظر. فلما أصبحَ يعقوبُ إذا هي "ليا" فقال لخاله: لم غدرتَ بي؟ وأنت إنما خطبتُ إليكَ "راحيل" فقال: إنه ليس من سنَتنا أن نُزوِّجَ الصغرى قبل الكبرى، فإن أحببتَ أختَها فاعملْ سبعَ سنين أخرى، وأزوِّجكها. فعملَ سبع سنين وأدخلَها عليه مع أُختها، وكان ذلك سائغًا في ملَّتهم ثم نُسخ في شريعة التوراة.

وهذا وحده دليلٌ كافٍ على وقوع النسخ، لأن فعلَ يعقوب دليلٌ على جواز هذا وإباحتِه، لأنه معصوم.

ووهبَ "لابان" لكلِّ واحدة من ابنتيْه جاريةً، فوهبَ لليا جارية اسمها "زلفى" ووهب لراحيل جاريةً اسمها "بلهى". وجبرَ اللّه تعالى ضعفَ "ليا" بأن وهبَ لها أولادًا، فكان أول من ولدت ليعقوب روبيل، ثم شمعون، ثم لاوي، ثم يهوذا. فغارت عند ذلك "راحيل" وكانت لا تحبلُ، فوهبت ليعقوبَ جاريتها "بلهى" فوطئِها فحملتْ، وولدتْ له غلامًا سمَّته "دان" وحملتْ وولدتْ غلامًا آخر سمَّته "نيفتالي" فعمدتْ عند ذلك "ليا" فوهبت جاريتَها "زلفى" من يعقوب ، فولدت له "حاد" و" أشير" غلامين ذكريْن، ثم حملت "ليا" أيضًا فولدت غلامًا خامسًا منها وسمَّته "إيساخر". ثم حملتْ وولدت غلامًا سادسًا سمته "زابلون" ثم حملت وولدت بنتًا سمَّتها "دنا" فصار لها سبعة من يعقوب. ثم دعتِ اللّه تعالى "راحيل" وسألتْه أن يهبَ لها غلامًا من يعقوب، فسمع اللّه نداءها وأجاب دعاءها فحملت من نبيِّ اللّه يعقوب فولدت له غلامًا عظيمًا شريفًا حسنًا جميلا سفَته يوسفَ، كل هذا وهم مقيمون بأرض حرَّان،


(١) معراجًا: المعراج: ما يُرتقى به.
(٢) ما بين حاصرتين سقط من المطبوع ومن أ، وأثبتهما من ب.