للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلًا، ويحكم عدلًا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير العبرة، طويل الفكر، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما خثن، كان والله كأحدنا يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، وكنا مع قُرْبنا لا نكلمه هيبة له فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله ولا يُيْئس الضعيف من عدله؛ فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، يتمثل في محرابه قابضًا على لحيته يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين فكأني أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا يا ربنا، يتضرع إليه، ثم يقول للدنيا إليَّ تعرضت أم ليّ تشوَّقت هيهات هيهات غرّي غيري، قد بتتك ثلاثًا، فعمرك قصير، ومجلسك حقير، وخطرك كبير آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.
قال: فوكفت دموع معاوية على لحيته ما يملكها وجعل ينشفها بكمه؛ وقد اختنق القوم بالبكاء، فقال: كذلك كان أبو الحسن فكيف وجدك عليه يا ضرار؟ قال: وَجْدُ من ذبح أَوْحَدُها من حجرها لا ترقأ دمعتها ولا يسكن حزنها ثم قام فخرج [الخبر في مختصر تاريخ دمشق ١١/ ١٥٨].
وقال علي: أشد الأعمال ثلاثة؛ إعطاء الحق من نفسك، وذكر الله على كل حال، ومواساة الأخ في المال.
وقال علي: إن الله لم يرض من أهل القرآن بالأذعان والسكوت والله يُعصى.
وروى الثوري: عن عمرو بن قيس قال: قيل لعلي: يا أمير المؤمنين؛ لم ترقع قميصك! قال: يخشع القلب، ويقتدي بي المؤمن.
وعن زياد بن ميلح: أن عليًا أتى بشيء من خبيص فوضعه بين أيديهم فجعلوا يأكلون ولا يأكل. فقال: إن الإسلام ليس ببكر ضال، ولكن قريش رأت هذا العيش هَذًّا فتناحرت عليه.
وقد كان لعلي ظبية - أي جراب جلد غزال - يكلون فيه سويق ليشربه بالماء وقت القائلة هو طعامه لا يزيد عليه، وكان يختم عليه لئلا يختلط بغيره. وعاتبه رجل في لبوسه. فقال له: مالك وللبوسي إن لبوسي أبعد من الكبر وأجدر أن يقتدي بي المسلم.
وعن عبد الله بن شريك عن جده عن علي أنه أتي بفالوذج؛ فوضع بين يديه فقال: إنك طيب الريح، حسن اللون، طيب الطعم، ولكن أكره أن أعوِّد نفسي، ما لم تعتد.
وعن مجمع التيمي قال: كان علي يقسم مال بيت المال ويكنسه ويصلي فيه يتخذه مسجدًا رجاء أن يشهد له يوم القيامة.
وقال الإمام … حدَّثنا وهب بن سعيد، حدَّثنا محمد بن قيس عن علي بن ربيعة الوالبي عن علي بن أبي طالب أنه جاءه ابن النّبَّاج فقال: يا أمير المؤمنين امتلأ بيت المال من صفراء وبيضاء؛ فقال: الله أكبر فقام متوكئًا على ابن النّبّاج حتى قام على بيت المال فقال:
هذا جناي وخياره فيه … ووكل جان يده إلى فيه
يا ابن النباج عليَّ بأشياع الكوفة فنودي في الناس فأعطاه جميع ما في بيت المال وهو يقول: يا صفراء ويا بيضاء غرّي غيرها وها حتى ما بقي منه دينار ولا درهم، ثم أمر بنضحه وصلى فيه ركعتين.
وقال الطبراني: حدَّثنا أبو مسلم الكشي، حدَّثنا عبد العزيز بن الخطاب، حدَّثنا سهل بن شعيب، عن أبي علي