للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالأسباط شعوبُ بني إسرائيل، وما كان يُوجد فيهم من الأنبياء الذين ينزلُ عليهم الوحي من السماء، والله أعلم.

ومما يؤيِّد أن يوسف هو المختصُّ من بين إخوته بالرسالة والنبوة، أنه نصَّ على واحد من إخوتِه سواه، فدلَّ على ما ذكرناه، ويُستأنس لهذا بما قال الإمام أحمد: حَدَّثَنَا عبدُ الصمد، حَدَّثَنَا عبد الرحمن، عن عبد اللّه بن دينار، عن أبيه، عن ابن عمر، أنَّ رسولَ اللّه قال: "الكريمُ ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم" (١). انفردَ به البخاريُّ، فرواه عن عبد اللّه بن محمد، وعبدة، عن عبد الصمد بن عبد الوارث به.

وقد ذكرنا طرقَه في قصَّة إبراهيم بما أغنى عن إعادته هاهنا - وللّه الحمد والمنة (٢) -.

قال المفسرون وغيرهم: رأى يوسفُ وهو صغير قبل أن يحتلم كأن ﴿أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا﴾ [يوسف: ٤] وهم إشارة إلى بقية إخوته ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ [يوسف: ٤] وهما عبارة عن أبويه، قد سجدوا له، فهالَه ذلك، فلما استيقظَ قصَّها على أبيه، فعرفَ أبوه أنَّه سينالُ منزلة عاليةً ورِفْعةً عظيمة في الدنيا والآخرة، بحيث يخضعُ له أبواه وإخوته فيها، فأمرَه بكتمانها، وألَّا يقصَّها على إخوته كيلا يحسدوه ويبغوا له الغوائل (٣)، ويكيدوه بأنواع الحيل والمكر، وهذا يدلُّ على ما ذكرناه. ولهذا جاء في بعض الآثار: استعينوا على قضاء حوائجكم بكتمانها، فإن كل ذي نعمة محسود (٤).

وعند أهل الكتاب أنه قصَّها على أبيه وإخوته معًا وهو غلطٌ منهم ﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ﴾ أي: وكما أراكَ هذه الرؤيا العظيمة فإذا كتمتَها ﴿يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ﴾ أي: يخصُّك بانواع اللطف والرحمة ﴿وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾ أي: يُفهمُكَ من معاني الكلام وتعبير المنام ما لا يفهمُه غيرك ﴿وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ﴾ أي: بالوحي إليك ﴿وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ﴾ أي: بسببك ويحصل لهم بك خيرُ الدنيا والآخرة ﴿كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ﴾ أي: يُنعم عليك ويُحسن إليك بالنبوة، كما أعطاها أباك يعقوب وجدَّك إسحاق، ووالد جدِّك إبراهيم الخليل ﴿إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٤].


(١) البخاري في الأنبياء (٣٣٨٢) و (٣٣٩٠).
(٢) ما بين الحاصرتين سقط من أ، وأثبته من هامش ب وهو في المطبوع.
(٣) "الغوائل": الدواهي والمصائب.
(٤) رواه العقيلي وابن عديِّ والطبراني وأبو نعيم والبيهقي، عن معاذ بن جبل، كما في فيض القدير (١/ ٤٩٣) والمقاصد الحسنة (ص ٥٦)، وتمييز الطيب من الخبيث (ص ٢٧) وكشف الخفاء (١/ ١٣٥) وفي إسناده ضعف.