للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في ظِلِّه يومَ لا ظِلَّ إلاظِلُّه: إمامٌ عادل، ورجلٌ ذكرَ اللّه خاليًا ففاضتْ عيناه، ورجلٌ مُعلَّقٌ قلبُه (١) بالمسجد إذا خرجَ منه حتَّى يعودَ إليه، ورجلان تحابَّا في اللّه اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجلٌ تصدقَ بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُه ما تنفقُ يمينُه، وشابٌ نشأ في عبادة اللّه، ورجلٌ دعتْه امرأةٌ ذاتُ مَنْصِبٍ وجمالٍ فقال: إنِّي أخافُ اللّه" (٢).

والمقصود: أنها دعتْه إليها وحرصتْ على ذلك أشدَّ الحِرْص، فقال: ﴿مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي﴾ يعني زوجها صاحب المنزل سيِّدي ﴿أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾ أي: أحسنَ إليّ وأكرمَ مقامي عنده ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ وقد تكلَّمنا على قوله ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ بما فيه كفاية ومقنع في التفسير.

وأكثرُ أقوال المفسرين هاهنا متلقَّى من كتب أهل الكتاب، فالإعراض عنه أولى بنا. والذي يجبُ أن يُعتقد أنَّ اللّه تعالى عصمَه (٣) وبرَّأه، ونرهه عن الفاحشة، وحماه عنها، وصانَه منها. ولهذا قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾.

﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾ أي: هربَ منها طالبًا إلى الباب ليخرجَ منه فِرارًا منها، فاتَّبعتْه في أثره ﴿وَأَلْفَيَا﴾ [أي: وجدا] (٤).

﴿سَيِّدَهَا﴾ أي: زوجَها لدى الباب، فبدرتْه بالكلام وحرَّضْته عليه ﴿قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

اتَّهمته وهي المتَّهَمة، وبرَّأتْ عِرْضَها ونزَّهَتْ ساحتَها. فلهذا قال يوسف : ﴿هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي﴾ احتاج إلى أن يقولَ الحقَّ عند الحاجة ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا﴾ قيل: كان صغيرًا في المهد، قاله ابن عباس. ورُوي عن أبي هريرة، وهلال بن يساف، والحسن البصري، وسعيد بن جُبير، والضَّحَّاك، واختاره ابن جرير (٥). وروى فيه حديثًا مرفوعًا عن ابن عباس (٦)، ووقفَه غيرُه عنه.

وقيل: كان رجلًا قريبًا إلى "أطفير" بعلها. وقيل: قريبًا إليها. وممن قال: إنه كان


(١) في هامش ب: في نسخة: بالمساجد، وفيها: متعلق.
(٢) أخرجه البخاري (٦٦٠) في الأذان، ومسلم (١٠٣١) في الزكاة.
(٣) انظر عصمة الأنبياء للفخر الرازي، ففيه ما يشفي الغليل من إثبات عصمة يوسف (ص ٥١).
(٤) سقطت من الأصول، وأثبتها من المطبوع.
(٥) انظر تفسير الطبري (٧/ ١٩٤).
(٦) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٧/ ١٩٢).