للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رجلًا (١): ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، والحسن، وقتادة، والسدي، ومحمد بن إسحاق، وزيد بن أسلم.

فقال: ﴿إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ أي: لأنه يكونُ قد راودَها فدافعْته حتى قَدّت (٢) مُقَدَّم قميصه ﴿وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ أي: لأنه يكونُ قد هربَ منها، فاتَّبعتْه وتعلَّقتْ فيه، فانشقَّ قميصُه لذلك، وكذلك كان.

ولهذا قال تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ أي: هذا الذي جرى من مكركنَّ، أنتِ راودتِه عن نفسه. ثم اتَّهمْتِه بالباطل، ثم ضربَ بعلُها عن هذا صفحًا، فقال: ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا﴾ أي: لا تذكرْه لأحدٍ، لأنَّ كتمانَ مثل هذه الأمور هو الأليقُ والأحسنُ، وأمرَها بالاستغفار لذنبها الذي صدرَ منها، والتوبة إلى ربِّها، فإنَّ العبدَ (٣) إذا تاب إلى اللّه تابَ اللّه عليه.

وأهلُ مصرَ وإن كانوا يعبدون الأصنامَ إلا أنَّهم يعلمونَ أنَّ الذي يغفرُ الذنوبَ ويُؤاخذ بها هو اللّه وحدَه لا شريكَ له في ذلك، ولهذا قالَ لها بعلها، وعذرَها من بعض الوجوه، لأنها رأتْ ما لا صبرَ لها على مثله، إلا أنه عفيفٌ نزيهٌ بريءُ العِرْضِ، سليم الناحية، فقال: ﴿وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾ [يوسف: ٢٩].

﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٣٠) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [يوسف: ٣٠ - ٣٤]. يذكرُ تعالى ما كان من قِبَل نساء المدينة من نساء الأمراء وبنات الكبراء في الطعن على امرأة العزيز، وعيبها، والتشنيع عليها في مراودتها فتاها، وحُبِّها الشديد له، تعنين: وهو لا يساوي هذا؛ لأنه مولى من الموالي، وليس مثله أهلًا لهذا، ولهذا قلن ﴿إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ أي: في وضعِها الشيء في غير محلّه ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ﴾ أي: بتشنيعهنَّ عليها، والتنقُّص لها، والإشارة إليها بالعيب والمذمَّة بحبِّ مولاها وعِشْقِ فتاها، فأظهرنَ ذمًّا وهي معذورةلا في نفس الأمر، فلهذا أحبَّتْ أن تبسطَ عدرَها عندهنَّ، وتُبيِّن أنَّ هذا الفتى ليس كما حسبنَ، ولا من قبيل ما لديهنَّ. فأرسلتْ إليهنَّ فجمعتهنَّ في منزلها،


(١) انظر هذه الأقوال في تفسير الطبري (٧/ ١٩٢ - ١٩٣).
(٢) "قدَّت": قطعت ومزَّقت.
(٣) كذا في أ وب، وفي المطبوع: العبد المذنب.