للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا الوعاء الذي كان لا يتظاهر به هو الفتن والملاحم وما وقع بين الناس من الحروب والقتال، وما سيقع، التي لو أخبر بها قبلَ كونِها لبادر كثيرٌ من الناس إلى تكذيبه وردُّوا ما أخبر به من الحق، كما قال: لو أخبرتكم أنكم تقتلون إمامَكم وتقتتلون فيما بينكم بالسيوف لما صدَّقتموني. وقد يتمسَّك بهذا الحديث طوائف من أهل الأهواء والبدع الباطلة، ويسندون ذلك إلى هذا الجراب الذي لم يقله أبو هريرة، ويعتقدون أنَّ ما هم عليه كان في هذا الجراب الذي لم يخبر به أبو هريرة، وما من مُبطل مع تضادّ أقوالهم إلّا وهو يدَّعي هذا، وكلُّهم يكذبون، فإذا لم يكن أبو هريرة قد أخبر به فمن علمه من بعده؟! وإنما الذي فيه شيء من الفتن والملاحم، قد أخبر بها هو وغيره من الصحابة مما ذكرناه ومما سنذكره في كتاب الفتن والملاحم.

وقال حمّاد بن زيد: حدَّثنا عمرو بن عبيد الأنصاري، حدَّثنا أبو الزعيزعة كاتب مروان بن الحكم: أن مروان دعا أبا هريرة، وأقعده (١) خلف السَّرير، وجعل مروان يسأل وجعلتُ أكتب، حتى إذا كان رأس الحول دعا به وأقعده من وراء الحجاب، فجعل يسأله عن ذلك الكتاب، فما زاد ولا نقص، ولا قدَّم ولا أخَّر (٢).

وروى أبو بكر بن عيّاش وغيره، عن الأعمش، عن أبي صالح قال: كان أبو هريرة من أحفظ أصحاب رسول اللَّه ولم يكن بأفضلهم (٣).

وقال الربيع: قال الشافعي: أبو هريرة أحفظ مَنْ روى الحديث في دهره (٤).

وقال أبو القاسم البَغَوي: حدَّثنا أبو خَيْثمة، حدَّثنا الوليد بن مسلم، حدَّثنا سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول قال: تواعد الناس ليلة من الليالي إلى قُبَّة من قباب معاوية، فاجتمعوا فيها، فقام فيهم أبو هريرة، فحدَّثهم عن رسول اللَّه حتى أصبح (٥).

وقال سفيان بن عُيَيْنة: عن عمرو (٦)، عن وهب بن منبِّه، عن أخيه هَمّام بن منبِّه قال: سمعت أبا هريرة يقول: ما من أحد من أصحاب رسول اللَّه أكثر حديثًا عنه مني، إِلَّا ما كان من عبد اللَّه بن عمرو، فإنه كان يكتبُ ولا أكتب (٧).


(١) يعني أقعد كاتبه أبا الزعيزعة.
(٢) رواه الحاكم في مستدركه (٣/ ٥١٠).
(٣) تاريخ ابن عساكر مختصره (٢٩/ ١٩٠).
(٤) تاريخ ابن عساكر مختصره (٢٩/ ١٩١).
(٥) المصدر السابق.
(٦) تحرف في (أ) و (ط) إلى: معمر، وعمرو: هو ابن دينار المكي.
(٧) أخرجه البخاري رقم (١١٣) في العلم: باب كتابة العلم. وللأستاذ شعيب الأرناؤوط تعليق مفيد عليه في سير أعلام النبلاء (٢/ ٥٩٩).