للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فسلَّمت وجلست، فبينما أنا جالسٌ إذ أتي بعلي ومعاوية، فأُدخلا بيتًا وأُجيف (١) الباب وأنا أنظر، فما كان بأسرع من أن خرج علي وهو يقول: قُضي لي وربِّ الكعبة. ثم ما كان بأسرع من أن خرج معاوية وهو يقول: غُفر لي وربِّ الكعبة.

وروى ابن عساكر عن أبي زرعة الرازي أنه قال له رجل: إني أُبغِض معاوية، فقال له: ولمَ؟ قال: لأنه قاتًل عليًا، فقال له أبو زرعة: ويحك! إن ربَّ معاوية ربٌّ رحيم، وخصم معاوية خصم كريم، فأيش دخولك أنت بينهما؟ (٢).

وسئل الإمام أحمد عمّا جرى بين علي ومعاوية، فقرأ: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: ١٣٤]. وكذا قال غير واحد من السلف.

وقال الأوزاعي: سُئل الحسن عمّا جرى بين علي وعثمان، فقال: كانت لهذا سابقةٌ ولهذا سابقة، ولهذا قرابةٌ ولهذا قرابة، فابتُلي هذا وعُوفي هذا. وسُئل عمّا جرى بين علي ومعاوية، فقال: كانت لهذا قرابة ولهذا قرابة، ولهذا سابقةٌ ولم يكن لهذا سابقة، فابتُليا جميعًا.

وقال كلثوم بن جَوْشن: سأل النضر أبو عمر الحسَن البصري فقال: أبو بكر أفضل أَمْ علي؟ فقال: سبحان اللَّه! ولا سواء، سبقت لعلي سوابق يشركه فيها أبو بكر، وأحدث علي حوادثَ لم يشركه فيها أبو بكر، أبو بكر أفضل. قال: فعمر أفضل أم علي؟ فقال مثل قوله في أبي بكر، ثم قال: عمر أفضل. ثم قال: عثمان أفضل أم علي؟ فقال مثل قوله الأول، ثم قال: عثمان أفضل. قال: فعلي أفضل أم معاوية؟ قال: سبحان اللَّه! ولا سواء، سبقت لعلي سوابقُ لم يشركه فيها معاوية، وأحدث علي أحداثًا شركه فيها معاوية، علي أفضل من معاوية.

وقد روى عن الحسن البصري: أنه كان ينقم على معاوية أربعة أشياء: قتالَه عليًّا، وقتلَه حُجر بن عدي، واستلحاقَه زياد بن أبيه، ومبايعتَه ليزيد ابنه.

وقال جرير بن عبد الحميد: عن مغيرة قال: لما جاء خبر قتل علي إلى معاوية جعل يبكي، فقالت له امرأته: أتبكيه وقد قاتلتَه؟ فقال: ويحكِ! إنك لا تدرينَ ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم. [وفي رواية: أنها قالت له: بالأمس تقاتله واليوم تبكيه] (٣)؟!

قلت: وقد كان مقتل علي في رمضان سنة أربعين، ولهذا قال الليث بن سعد: إنَّ معاوية بُويع له بإيلياء بيعة الجماعة، ودخل الكوفة سنة أربعين. والصحيح الذي قاله ابن إسحاق والجمهور أنه بُويع له


(١) أجيف الباب: رُدَّ وأغلق.
(٢) تاريخ ابن عساكر، مختصره (٢٥/ ٣٩).
(٣) سقطت هذه الرواية في ب.