للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبصارهم، وقام ذو الكَلَاع فقال: يا أمير المؤمنين! عليك الرأي وعلينا الفعال. ثم نادى معاوية في الناس: أن اخرجوا إلى معسكركم في ثلاثٍ، فمن تخلَّف بعدها فقد أحل بنفسه. فاجتمعوا كلهم، فركب ذلك الرجل إلى عليٍّ فأخبره، فأمر عليٌّ مناديًا فنادى: الصلاة جامعة، فاجتمعوا، فصعد المنبر فقال: إن معاوية قد جمع الناس لحربكم فما الرأي؟ فقال كلُّ فريق منهم مقالة، واختلط كلام بعضهم في بعض، فلم يدرِ عليٌّ مما قالوا شيئًا، فنزل عن المنبر وهو يقول: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون، ذهب واللَّهِ بها ابنُ آكلةِ الأكباد (١). ثم كان من أمر الفريقين ما كان، كما ذكرناه مبسوطًا في سنة ست وثلاثين.

وقد قال أبو بكر بن دُريد: أنبأنا أبو حاتم، عن أبي عُبيدة قال: قال معاوية: لقد وضعتُ رجلي في الرِّكاب وهممتُ يوم صفِّين بالهزيمة، فما منعني إِلَّا قولُ ابن الإطنابة حيث يقول:

أبَتْ لي عفَّتي وأَبى بَلآئي … وأخذي الحمدَ بالثمنِ الرَّبيح

وإكراهي على المكروهِ نَفْسي … وضَرْبي هامةَ البطلِ المُشِيح

وقولي كلَّما جَشَأتْ وجاشَتْ … مكانَكِ تُحمَدي أو تَسْتريحي (٢)

وروى البيهقيّ عن الإمام أحمد أنه قال: الخلفاء: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي. فقيل له: فمعاوية؟ قال: لم يكن أحدٌ أحق بالخلافة في زمان عليٍّ من عليّ، ورحم اللَّه معاوية.

وقال علي بن المَديني: سمعت سفيان بن عُيينة يقول: ما كانت في علي خصلةٌ تقصِّر به عن الخلافة، ولم يكن في معاوية خصلةٌ ينازع بها عليًّا.

وقيل لشَريك القاضي: كان معاوية حليمًا؟ فقال: ليس بحليم مَنْ سفه الحقَّ وقاتل عليًا. رواه ابن عساكر (٣).

وقال سفيان الثوري: عن حبيب، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، أنه ذكر معاوية وأنه لبَّى عثية عرفة، فقال فيه قولًا شديدًا. ثم بلغه أن عليًا لبَّى عشية عرفة، فتركه.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدّثني عبّاد بن موسى، حدَّثنا علي بن ثابت الجزري، عن سعيد بن أبي عَرُوبة، عن عمر بن عبد العزيز قال: رأيت رسول اللَّه في المنام وأبو بكر وعمر جالسان عنده،


(١) تاريخ ابن عساكر، مختصره (٢٥/ ٣٦).
(٢) الخبر مع الشعر في تاريخ ابن عساكر، مختصره (٢٥/ ٣٧) وسير أعلام النبلاء (٣/ ١٤٢). والأبيات في الاختيارين (ص ١٥٩ - ١٦٠) وعيون الأخبار (١/ ١٢٦) والعقد الفريد (١/ ١٠٤ - ١٠٥) وغيرها من كتب الأدب. وابن الإطنابة: هو عمرو بن عامر بن زيد مناة الكعبي الخزرجي، شاعر جاهلي فارس، اشتهر بنسبته إلى أمه الإطنابة بنت شهاب.
(٣) في تاريخه، مختصره (٢٥/ ٣٨).