يذكرُ تعالى ما كانَ من أمرهم حين دخلوا بأخيهم "بنيامين" على شقيقه يوسف، وإيوائه إليه وإخباره له سرًّا عنهم بأنه أخوه، وأمره بكتمِ ذلك، وسلَّاه عما كان منهم من الإساءة إليه. ثم احتالَ على أخذه منهم وتركه إياه عنده دونهم، فأمرَ فتيانه بوضع سقايته - وهي التي كان يشربُ بها، ويكيلُ بها للناس الطعام - عن غِرَّته في متاع بنيامين.
ثم أعلمَهم بأنهم قد سرقوا صُواع الملك، ووعدَهم جُعالةً على ردِّه حِمْلَ بعير، وضمنه المنادي لهم، فأقبلوا على من اتَّهمهم بذلك فأنَّبوه وهجَّنوه (١) فيما قاله لهم ﴿قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ﴾ يقولون: أنتم تعلمون منا خِلافَ ما رميتمُونا به من السرقة ﴿قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (٧٤) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾. وهذه كانت شريعتهم: أنَّ السارقَ يدفعُ إلى المسروق منه، ولهذا قالوا: ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾. قال اللّه تعالى: ﴿فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ﴾ أبعد للتهمة وأبلغ في الحيلة، ثم قال اللّه تعالى: ﴿كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ﴾. أي: لولا اعترافُهم بأن جزاءه من وُجد في رَحْله فهو جزاؤه، لما كان يقدر يوسف على أخذه منهم في سياسة ملك مصر ﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ﴾ أي: في العلم ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ وذلك لأن يوسفَ كان أعلم
(١) هجَّنوه: عابوه، من هجَّن الأمرَ: إذا قبَّحه وعابه.