للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أُريدُ حياتَهُ ويُريدُ قَتْلي … عَذيرَك مِنْ خَليلكَ مِنْ مُراد (١)

فلما سلَّم هانئ على عبيد اللَّه قال: يا هانئ! أين مسلم بن عَقيل؟ قال: لا أدري، فقام ذلك المولى التميمي الذي دخل دار هانئ في صورة قاصد من حمص فبايع ودفع الدراهم بحضرة هانئ إلى مسلم، فقال: أتعرف هذا؟ قال: نعم. فلما رآه هانئ قُطع وأسقط في يده، فقال: أصلح اللَّه الأمير، واللَّه ما دعوتُه إلى منزلي، ولكنه جاء فطرح نفسه عليِّ. فقال عبيد اللَّه: فائتني به، فقال: واللَّه لو كان تحت قدمي ما رفعتها عنه. فقال: أَدنُوه منِّي، فاَدنوْه، فضربه بحربة على وجهه فشجَّه على حاجبه وكسر أنفه. وتناول هانئ سيف شرطي ليسلَّه، فدُفع عن ذلك، وقال عبيد اللَّه: قد أحلَّ اللَّه لي دمك لأنك حَرُوري، ثم أمر به فحبسه في جانب الدار، وجاء قومه من بني مَذْحج مع عمرو بن الحجاج، فوقفوا على باب القصر يظنُّون أنه قد قُتل، فسمع عبيد اللَّه جلَبة، فقال لشُريح القاضي وهو عنده: اخرُج إليهم فقل لهم: إن الأمير لم يحبسه إلّا ليسأله عن مسلم بن عَقيل. فقال لهم: إنَّ صاحبكم حيّ، وقد ضربه سلطاننا ضربًا لم يبلغ نفسه، فانصرِفوا ولا تُحلُّوا بانفسكم ولا بصاحبكم. فتفرَّقوا إلى منازلهم. وسمع مسلم بن عَقيل الخبر، فركب ونادى بشعاره: "يا منصور أمت" فاجتمع إليه أربعة آلاف من أهل الكوفة، وكان معه المختار بن أبي عُبيد ومعه راية خضراء، وعبد اللَّه بن نوفل بن الحارث براية حمراء، فرتَّبهم مَيْمنة ومَيْسرة، وسار هو في القلب إلى عبيد اللَّه وهو يخطب الناس في أمر هانئ ويحذِّرهم من الاختلاف، وأشرافُ الناس وأمراؤهم تحت منبره، فبينما هو كذلك إذ جاءت النَّظَّارة يقولون: جاء مسلم بن عَقيل، فبادر عبيد اللَّه فدخل القصر ومَنْ معه، وأغلقوا عليهم البالب، فلمّا انتهى مسلم إلى باب القصر وقف بجيشه هناك، فأشرف أمراء القبائل الذين عند عبيد اللَّه في القصر، فأشاروا إلى قومهم الذين مع مسلم بالانصراف، وتهدَّدوهم وتوعَّدوهم. وأخرج عبيد اللَّه بعض الأمراء، وأمرهم أن يركبوا في الكوفة يخذِّلون الناس عن مسلم بن عقيل، ففعلوا ذلك، فجعلت المرأة تجيء إلى ابنها وأخيها وتقول له: ارجع إلى البيت، الناس يكفونك. ويقول الرجل لابنه وأخيه: كأنك غدًا بجنود الشام قد أقبلت فماذا تصنع معهم؟. فتخاذل الناس وقصروا وتصرَّموا وانصرفوا عن مسلم بن عَقيل حتى لم يبق إلّا في خمسمئة نفس، ثم تقالُّوا حتى بقي في ثلاثمئة، ثم تقالُّوا حتى بقي معه ثلاثون رجلًا، فصلَّى بهم المغرب وقصد أبواب كِنْدة، فخرج منها في عشرة، ثم انصرفوا عنه، فبقي وحده ليس معه من يدلُّه على الطريق، ولا من يواسيه بنفسه، ولا من يؤويه إلى منزله، فذهب على وجهه، واختلط الظلام وهو وحده يتردَّد في الطريق لا يدري أين يذهب، فأتى بابًا، فنزل عنده وطرقه، فخرجت منه امرأة يقال لها طَوْعة، كانت أمَّ ولد للأشعث بن قيس، وقد كان لها ابن من غيره يقال له: بلال بن أَسِيد، خرج مع الناس وأمُّه قائمة


(١) البيت لعمرو بن معديكرب الزبيدي، وهو في ديوانه (ص ٩٢) وروايته فيه: أريد حِباءه. والحباء -بكسر الحاء- العطية. والخبر في تاريخ الطبري (٥/ ٣٦٥) وابن الأثير (٤/ ٢٧ - ٢٨).