للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد روى ابن عساكر في ترجمة أحمد بن عبد الصمد "من تاريخه" من كتاب المجالسة لأحمد بن مروان المالكي: حدّثنا الحسين بن الحسن اليشكري، حدّثنا الزِّيادي، عن الأصمعي ح وحدّثني محمد بن الحارث، عن المدائني قال: لما قتل أهل الحرَّة هتف هاتف بمكة على أبي قُبيس مساء تلك الليلة وابن الزبير جالس يسمع:

قُتِلَ الخِيارُ بَنُو الخِيا … رِ ذَوُو المَهَابَةِ والسَّماح

والصَّائمونَ القَائمو … نَ أُولُو العِبادَةِ والصَّلاح

المُهْتَدُونَ المُحْسِنُو … نَ السَّابقونَ إلى الفَلاح

ماذا بواقِمَ والبَقيـ … ــعِ من الجَحَاجِحَةِ الصِّباح

وبقاعُ يثربَ ويحهُنَّ … من النَّوادبِ والصِّياح

فقال ابن الزبير لأصحابه: يا هؤلاء! قتل أصحابكم، فإنا للَّه وإنا إليه راجعون (١).

وقد أخطأ يزيد خطأ فاحشًا في قوله لمسلم بن عقبة أن يبيح المدينة ثلاثة أيام [مع ما انضم إلى ذلك من قتل خلق من الصحابة وأبنائهم. وقد تقدم أنه قتل الحسين وأصحابه على يدي عبيد اللَّه بن زياد] (٢). وقد وقع في هذه الثلاثة أيام من المفاسد العظيمة في المدينة النبوية ما لا يحد ولا يوصف مما لا يعلمه إلا اللَّه ﷿، وقد أراد بإرسال مسلم بن عقبة توطيد سلطانه وملكه، ودوام أيامه من غير منازع، فعاقبه اللَّه بنقيض قصده، وحال بينه وبين ما يشتهيه، فقصمه اللَّه قاصم الجبابرة، وأخذه أخذ عزيز مقتدر ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود: ١٠٢].

قال البخاري في "صحيحه" (٣): حدّثنا الحسين بن الحُرَيث (٤)، حدّثنا الفضل بن موسى، حدّثنا الجُعَيد، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، عن أبيها قال: سمعت رسول اللَّه يقول: "لا يَكيدُ أهلَ المدينةِ أَحدٌ إلَّا انْماعَ كما يَنْماعُ المِلحُ في الماءِ".

وقد رواه مسلم من حديث أبي عبد اللَّه القَرّاظ المديني -واسمه: دينار- عن سعد بن أبي وقاص: أن رسول اللَّه قال: "لا يُريدُ أحدٌ المدينةَ بسُوءٍ إلّا أَذابَهُ اللَّهُ في النَّار ذوبَ الرَّصاص - أو ذوبَ المِلحِ في الماءِ". وفي رواية لمسلم من طريق أبي عبد اللَّه القرّاظ، عن سعد وأبي هريرة: أن رسول اللَّه قال: "مَنْ أرادَ أهلَ المدينةِ بسُوءٍ أذابَهُ اللَّهُ كما يَذوبُ المِلحُ في الماءِ" (٥).


(١) الخبر والشعر في تاريخ ابن عساكر مختصره (٣/ ١٥٦).
(٢) ما بين حاصرتين ليس في ب.
(٣) كتاب: فضائل المدينة (١٨٧٧).
(٤) تحرف في أ، ط إلى: الحارث. وترجمته في تهذيب الكمال (٦/ ٣٥٨ - ٣٥٩).
(٥) أخرجه مسلم (١٣٨٦) و (١٣٨٧) في الحج: باب من أراد أهل المدينة بسوء أذابه اللَّه.