للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واللَّهِ واللَّهِ لا أنساكَ يا شَجَني … حتَّى تفارقَ منِّي الرُّوحُ أوصَالي

فقال:

واللَّهِ ما خابَ مَنْ أمسى وأنتِ لهُ … يا قرَّةَ العينِ في أهلٍ وفي مالِ

قال: ثم ودَّعها وخرج، فأخذه يزيد ودعا بها فقال: أخبراني عما كان في ليلتكما واصدقاني. فأخبراه وأنشداه ما قالا، فلم يحرِّفا منه حرفًا، ولا غيَّرا شيئًا مما سمعه، فقال لها يزيد: أتحبينه؟ قالت: إي واللَّه يا أمير المؤمنين!

حبًا شَديدًا جري كالرُّوحِ في جَسَدي … فهَلْ يفرَّقُ بينَ الرُّوحِ والجَسَد

فقال له: أتحبها؟ فقال: إي واللَّه يا أمير المؤمنين!

حبًّا شَديدًا تَلِيدًا غيرَ مطَّرِفِ … بينَ الجوانحِ مثلَ النَّارِ يَضْطَرِمُ

فقال يزيد: إنكما لتصفان حبًا شديدًا، خذها يا أحوص فهي لك، ووصله صلة سنية. فرجع بها الأحوص إلى الحجاز وهو قرير العين (١).

[وقد روي أن يزيد كان قد اشتهر بالمعارف وشرب الخمر والغناء والصَّيد واتخاذ الغلمان والقيان والكلاب والنطاح بين الكباش والدباب والقرود، وما من يوم إلا يصبح فيه مخمورًا، وكان يشدُّ القرد على فرس مسرجة بحبال ويسوق به، ويُلبس القرود قلانس الذهب وكذلك الغلمان، وكان يسابق بين الخيل، وكان إذا مات القرد حزن عليه. وقيل: إن سبب موته أنه حمل قردة وجعل ينقِّزها فعضَّته. وذكروا عنه غير ذلك، واللَّه أعلم بصحة ذلك] (٢).

وقال عبد الرحمن بن أبي مذعور: حدَّثني بعض أهل العلم قال: آخر ما تكلَّم به يزيد بن معاوية: اللهم لا تؤاخذني بما لم أحبه ولم أرده، واحكُم بيني وبين عبيد اللَّه بن زياد.

وكان نقش خاتمه: آمنت باللَّه العظيم.

مات يزيد بحوَّارين -من قرى دمشق- في رابع عشر ربيع الأول، وقيل: يوم الخميس للنصف منه، سنة أربع وستين. وكانت ولايته بعد موت أبيه في منتصف رجب سنة ستين. وكان مولده في سنة خمس -وقيل: سنة ست، وقيل: سبع- وعشرين. ومع هذا فقد اختلف في سنِّه ومبلغ أيامه في الإمارة على أقوال كثيرة، وإذا تأمَّلت ما ذكرته لك من هذه التحديدات انزاح عنك الإشكال من هذا الخلاف، فإن منهم


(١) الخبر مطولًا في الأغاني (٩/ ١٣٣ - ١٣٦) وتاريخ دمشق جزء تراجم النساء (ص ١٨٣ - ١٨٦) وهو -كما يرى الأصفهاني- موضوع.
(٢) ما بين حاصرتين ليس في ب.