للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالمقال، وقيل: بالفعال، ويُؤيِّد الأوَّلَ قوله: ﴿وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ فوعدُوهم بالقتل والإهانة.

﴿قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ﴾ أي: مردودٌ عليكم ﴿أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ﴾ أي: بسبب أنَّا ذكَّرناكم بالهدى، ودعوناكم إليه تَوعَّدْتُمونا بالقتل والإهانة ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ أي: لا تقبلون الحق ولا تريدونه.

وقوله تعالى: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى﴾ يعني لنصرة الرُّسل وإظهار الإيمان بهم ﴿قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ أي: يدعونكم إلى الحقِّ المَحْضِ بلا أجرة ولا جُعالة، ثم دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريكَ له، ونهاهم عن عبادة ما سواه مما لا ينفعُ شيئًا، لا في الدنيا ولا في الآخرة ﴿إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ أي: إن تركتُ عبادة الله وعبدتُ معه ما سواه. ثم قال مخاطبًا للرسل: ﴿إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ﴾ قيل: فاسمعوا مَقالتي واشهدوا لي بها عندَ ربكم .. وقيل: معناه: فاسمعوا يا قومي إيماني برسُل الله جهرةً. فعند ذلك قتلوه، قيل: رجمًا، وقيل: عضًّا. وقيل: وثبوا إليه وثبةَ رجُل واحدٍ فقتلُوه. وحكى ابن إسحاق: عن بعض أصحابه، عن ابن مسعود، قال: وَطِئوه بأرجلهم حتَّى أخرجوا قُصْبَه (١).

وقد روى الثوري (٢): عن عاصم الأحول، عن أبي مَجْلز، كان اسمُ هذا الرجل حبيب بن مُرِّي. ثم قيل: كان نجَّارًا. وقيل: حبَّالًا. وقيل: إسكافًا. وقيل: قصَّارًا. وقيل: كان يتعبَّدُ في غار هناك، فالله أعلم.

وعن ابن عبَّاس (٣): كان حبيبُّ النَّجَّارُ قد أسرعَ فيه الجُذام، وكان كثيرَ الصَّدقة، قتلَه قومه. ولهذا قال تعالى: ﴿ادْخُلِ الْجَنَّةَ﴾ يعني لما قتله قومُه أدخلَه الله الجنَّة، فلما رأى فيها من النُّضْرة والسرور ﴿قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ يعني ليؤمنوا بما آمنتُ به، فيحصل لهم ماحصلَ لي.

قال ابن عباس: نصحَ قومه في حياته ﴿يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾ وبعد مماته ﴿يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ رواه ابن أبي حاتم (٤).

وكذلك قال قتادة (٥): لا يُلقى المؤمنُ إلا ناصحًا، لا يُلقى غاشَّا لما عاين من كرامة الله. ﴿يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ تمنَّى والله أن يعلمَ قومه بما عاينَ من كرامة الله، وما هو عليه. قال قتادة: فلا والله ما عاتبَ الله قومَه بعد قتله ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴾ وقوله


(١) "أخرجوا قصْبَه": أمعاءَه. وانظر تفسير الطبري (١٠/ ٤٣٦).
(٢) أخرجه ابن جرير فى التفسير (١٠/ ٤٣٣).
(٣) المصدر السابق (١٠/ ٤٣٣ - ٤٣٤).
(٤) كما في الدر المنثور (٧/ ٥١).
(٥) أخرجه ابن جرير في التفسير (١٠/ ٤٣٦).