للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا معاهد، ولم يبلغني ظلم عن عامل فرضيت به بل أنكرته، ولم يكن عندي آثر من رضى ربي ﷿، اللهم إني لا أقول هذا تزكية لنفسي، اللهم أنت أعلم بي [مني ومن غيري] ولكني أقول ذلك تعزية لأمي لتسلو عني، فقالت أمه: إني لأرجو من اللَّه أن يكون عزائي فيك حسنًا، إن تقدمتني أو تقدمتك، ففي نفسي، اخرج يا بني حتى أنظر ما يصير إليه أمرك، فقال: جزاك اللَّه يا أمه خيرًا فلا تدعي الدعاء قبل وبعدُ. فقالت: لا أدعه أبدًا لمن قتل على باطل فلقد قتلت على حق، ثم قالت: اللهم ارحم طول ذلك القيام وذلك النحيب والظمأ في هواجر المدينة ومكة، وبره بأبيه وبي، اللهم إني قد سلمته لأمرك فيه ورضيت بما قضيت فقابِلني في عبد اللَّه بن الزبير بثواب الصابرين الشاكرين. ثم قالت له: ادن مني أودعك فدنا منها فقبلته (١)، ثم أخذته إليها فاحتضنته لتودعه واعتنقها ليودعها -وكانت قد أضرت في آخر عمرها- فوجدته لابسًا درعًا من حديد فقالت: يا بني ما هذا لباس من يريد ما تريد من الشهادة!! فقال: يا أماه إنما لبسته لأطيب خاطرك وأسكن قلبك به، فقالت: لا يا بني ولكن انزعه فنزعه وجعل يلبس بقية ثيابه ويتشدد وهي تقول: شمر ثيابك، وجعل يتحفظ من أسفل ثيابه لئلا تبدو عورته إذا قتل، وجعلت تذكِّره بأبيه الزبير، وجده أبي بكر الصديق، وجدته صفية بنت عبد المطلب، [وخالته عائشة زوج رسول اللَّه ] وترجِّيه القدوم عليهم إذا هو قتل شهيدًا، ثم خرج من عندها فكان ذلك آخر عهده بها وعن أبيه وأبيها.

قالت له: امض على بصيرتك؛ فودعها وخرج وهو يقول:

ولست بمُبتاع الحياة بسُبَّةٍ … ولا مرتقٍ من خشية الموت سُلَّما (٢)

قالوا: وكان يخرج من باب المسجد الحرام وهناك خمسمئة فارس وراجل فيحمل عليهم فيتفرقون عنه يمينًا وشمالًا، ولا يثبت له أحد وهو يقول:

إني إذا أعرفُ يومي أصبرُ … إذْ بعضهمْ يعرِف ثم ينكرُ (٣)

وكانت أبواب الحرم قد قل من يحرسها من أصحاب ابن الزبير، وكان لأهل حمص حصار الباب الذي يواجه باب الكعبة، ولأهل دمشق باب بني شيبة، ولأهل الأردن باب الصفا، ولأهل فلسطين باب


(١) من قوله: ثم قالت. . إلى هنا ساقط من ط. والخبر بتمامه في تاريخ دمشق لابن عساكر (٢٨/ ٢٢٦ - ٢٢٧) ط: دار الفكر.
(٢) من قوله: ثم قالت له. . إلى هنا ساقط من ط، والخبر بأطول مما هنا في تاريخ دمشق (٢٨/ ٢٣٢).
(٣) في الطبري (٦/ ١٩٠):
إني إذا أعرف يومي أصبر … وإنما يعرف يوميه الحر
إذ بعضهم يعرف ثم ينكر
والخبر بتمامه في تاريخ دمشق (٢٨/ ٢٣٥).